هكذا تتصرف النرويج بإيرادات النفط

مجلة الشبكة بتصرف عن موقع بي بي سي /

تتبوأ النرويج الآن مكانة عالمية في ما يتعلق بمؤشرات الثروة والسعادة. فقد شهدت البلاد نمواً اقتصادياً متسارعاً، وزيادة في معدلات الدخول المرتفعة. وتصدرت العام الماضي قائمة “مؤشر ليغاتوم للازدهار الاقتصادي”، الذي يحلل الأوضاع الاقتصادية في 110 دول حول العالم. ويوفر النفط للنرويج عائدات كبيرة، لكن النجاح سببه قدرة الحكومة على التعامل بهذه الأموال..
فالنرويج لا تهدر إيراداتها من بيع النفط، ولا توزعها بين الرواتب والمصاريف العامة للدولة، بل تضعها في خزانات يتمكن جميع المواطنين من الاستفادة منها، في تأسيس مشاريعهم المختلفة بعد بلوغهم سناً معينة أو بعد إكمال دراستهم الجامعية.
قوة دافعة
ويعد قطاع الغاز والنفط الهائل في النرويج -وبشكل واضح- القوة الدافعة وراء الازدهار الاقتصادي في البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية، في أعقاب اكتشافات النفط والغاز في بحر الشمال، رغم أن انخفاض أسعار الطاقة في السنوات الأخيرة كان له بعض الأثر.
لكن، كما تشرح (هيلدا بيورينلند)، أستاذة الاقتصاد بكلية بي آي للتجارة في أوسلو: “ليس المهم هو حجم الأموال التي تحصل النرويج عليها، لكن المهم هو ماذا تفعل بها.”
تضيف: “لقد أدارت النرويج أموال النفط بطريقة جيدة، إذ أنها تدّخرها وتستخدم جزءاً منها لاستثماره في المجتمع النرويجي، لذا، بدلاً من تركيز الثروة في أيدي عدد قليل من الناس، فإن الكثيرين يستطيعون المشاركة في هذه الثروة.”
وقد نفذت النرويج ذلك عن طريق إيداع أموالها في أكبر الصناديق السيادية المستقلة للثروة في العالم، وبكلمات بسيطة، تلك الصناديق عبارة عن حافظات نقود هائلة تزيد كميتها باستثمار الأموال في أكثر من 9,000 شركة، وهي تقدر حالياً بنحو تريليون دولار.
الضرائب
وعلى الرغم من صناديق التوفير هذه، تم الإبقاء على الضرائب مرتفعة، ولدى البلاد هيكل فريد للرواتب يتحدد فيه الحد الأدنى للأجور بناء على المفاوضات مع الاتحادات العمالية والنقابات المهنية.
تقول بيورينلند: “الشبان والعاملون في مجالات ذات أجور متدنية يحصلون على زيادة في معدلات رواتبهم كل عام، والفروق بين أولئك الذين يكسبون قليلاً والذين يكسبون الكثير ليست شاسعة، كما هو في بلدان أخرى.”
وقد توصل تقرير مؤسسة (ريزوليوشن) البريطانية عن مستوى الدخل إلى أن التفاوت الكبير بين الدخول، يؤدي إلى تراجع صافي الدخل لدى أبناء جيل الألفية في بلدان أخرى ذات اقتصاد قوي مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، ففي هذه البلدان، حيث تتسع الفجوة في معدلات الأجور، يتحمل الشبان عبء عدم زيادة الرواتب، والتفكير في الانتقال من عمل إلى آخر.
على النقيض من ذلك، تقول بيورينلند “إن العمل وفقاً لقواعد المساواة وعدم التفاوت الكبير في الدخول، والذي يعني توزيع الثروة بشكل جيد بين الأجيال، أسهم في وجود شعور كبير بالرضا عن الحياة في النرويج، وغياب الاضطرابات الاجتماعية فيها.”

الرعاية الصحية
كما أن مخصصات الرفاهية المرتفعة، ونظام الرعاية الصحية المدعوم بشكل كبير من الحكومة، من العوامل المهمة في ما يتعلق بمقارنة ما هو متاح أمام جيل الألفية في النرويج بما هو متاح في بقية بلدان القارة الأوروبية.
الأموال التي يتلقاها النرويجيون في صورة تعويض أو بدل للبطالة تعد سخية جداً، فهي تتيح للكثيرين الحصول على حوالي 60 في المئة من رواتبهم السابقة لمدة عامين، خلال رحلة البحث عن عمل جديد.
وكما هو الحال في جميع بلدان شمال أوروبا، تؤدي التكلفة المنخفضة للرعاية الصحية للأطفال، ونظام إجازات الوالدين لرعاية الأبناء، إلى مشاركة واسعة للنساء في القوة العاملة في البلاد.
التعليم المجاني
إن التعليم مجاني في غالبية المدارس والجامعات الحكومية، مع سهولة الحصول على قروض (والتي لا تدفع عليها فوائد طالما كان الطالب منتظماً في الدراسة) إلى جانب نسبة التوظيف العالية للطلاب، وكلها أيضاً جزء من المشهد في النرويج.
“ليس من العسير العثور على عمل هنا، وهذه الوظائف ذات دخل جيد. لهذا فالأمر يساعد كثيراً لتتمكن من تغطية تكاليف دراستك، والجانب الترفيهي من حياتك”، كما تقول (جبرييلا سانزانا – 27 عاماً)، وهي من تشيلي، وتعدّ دراسة الماجستير في حقوق الإنسان، وتعمل نادلة بدوام جزئي.
وتضيف: “علي أن أدفع الكثير من الضرائب، لكن ذلك لا يهمني لأنني أعرف أن الدولة تعطيني الكثير.”
في الوقت ذاته يقول (كونيغز): “بالنسبة للشباب النرويجي الأقل حظاً، الذين يعانون مشكلات اجتماعية، فإن العثور على موطئ قدم في المجتمع يمكن أن يكون أمراً صعباً”، مضيفاً: “ولأن الجميع بشكل عام يعيشون في أوضاع جيدة في المجتمع، تصبح البطالة وصمة عار.”
وتقول بيورينلند إن النرويج بحاجة إلى أن تجتهد أكثر لتنويع صناعاتها لكي تظل قادرة على المنافسة في المستقبل. وربما يشمل ذلك قطاعات التكنولوجيا، والمواد الخام، والطاقة المتجددة، إلى جانب دعم الشركات الناشئة، كما يتعين على أرباب العمل أن يكونوا كذلك أكثر انفتاحاً لجذب مواهب أجنبية عالمية لشغل الوظائف الجديدة التي تظهر خارج قطاع النفط والغاز.. كما تقول بيورينلند.