أصل الغابة شجرة

ريا عاصي
توقيع المصمم / سيف العبيدي
تصوير/ إيهاب البدر
الموديل/ لونا ماجد
الفستان/ دار الأزياء العراقية

يشهد العراق، كغيره من الدول في منطقة الشرق الأوسط، تحديات بيئية كبيرة تشمل التصحر وارتفاع درجات الحرارة وتدهور التربة. وخلال الأعوام الماضية، واجه العراق موجات حر شديدة، حيث تجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية في بعض المناطق، ولاسيما في الجنوب.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، من المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك العراق، وشمال إفريقيا، زيادة كبيرة في الوفيات المرتبطة بالحرارة إذا استمرت درجاتها العالمية في الارتفاع. وأشارت دراسة نشرت في مجلة (ذا لانسيت)، أنه بحلول عام 2030، قد يشهد العراق نحو 138,000 حالة وفاة مرتبطة بالحرارة سنوياً.
ومن أجل تلافي هذه الكارثة البيئية، وجه رئيس مجلس الوزراء، المهندس محمد شياع السوداني، بإطلاق حملة كبرى للتشجير في العاصمة بغداد وبقية المحافظات، وجرى تكليف وزارتي التربية والتعليم بإدراج التوعية بأهمية التشجير ضمن مناهجهما الدراسية، كما كلف شبكة الإعلام العراقي بحملة توعوية لأهمية التشجير والحفاظ على البيئة. وتهدف هذه الحملة إلى زيادة المساحات الخضر عبر تشجير الطرق والمناطق وفق خطط وبرامج مدروسة، مع توفير متطلبات الحفاظ عليها وديمومتها، ترافقها حملات توعوية بأهمية هذا النشاط.
عواصف ترابية
تكمن أهمية التشجير بتنقية الهواء وسحب الغازات الضارة، وتقليل درجات الحرارة، وتخفيض تآكل التربة، والحد من التصحر، إضافة إلى الحد من العواصف الترابية. لقد شهد ربيع 2022 أكثر من 11 عاصفة ترابية في شهرين، معظمها كانت قوية، عطّلت المطارات ومعها الحياة اليومية، إذ أعلنت الحكومات المحلية تعطيل الدوام الرسمي بمعدّل ثلاثة أيام بسبب هذه العواصف. بالإضافة إلى ذلك، اضطر الآلاف لدخول المستشفيات لمعالجة مشكلاتهم التنفسية، خصوصاً مرضى الربو والحساسية وغيرهما. وبحسب تقديرات وزارة الصحة والبيئة فإن 243 إلى 272 يوماً في كل سنة من السنوات العشرين الأخيرة هي أيام مغبرة، ويتوقع أن يصل الرقم إلى 300 يوم في السنوات المقبلة مالم نجد حلولاً عملية من أجل صحة مُستدامة. كما شهدت البلاد في العامين الأخيرين، نزوح 20 ألف شخص من الأرياف إلى المدن، بحسب تقرير منظمة الهجرة الدولية لعام 2022 (IOM)، بسبب انخفاض المياه وجفاف الأراضي الزراعية.
سرطان المدن
تعتبر المدن المكتظة بالسكان الأكثر تلوثاً بيئياً، لاحتوائها على جسد هائل من الإسفلت والكونكريت، اللذين غزيا أرضها لتسهيل حياة المواطن في السكن والنقل. وكما هو معروف، فإن الأسطح الخرسانية تمتص وتخزن الحرارة من الشمس، ما يسهم في ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية مقارنة بالمناطق الريفية المحيطة. ولأنها غير نفاذة، تزداد حدة الجريان السطحي، ما يقلل من تغذية المياه الجوفية.
أضف إلى ذلك أن وسائل النقل تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، مثل البنزين والديزل، وهما مصدران لانبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون (CO2)، وغازات أخرى مثل أول أكسيد الكربون (CO) وأكاسيد النيتروجين (NOx). كما أن إنشاء الطرق والجسور والبنية التحتية للنقل، يتطلب مساحات كبيرة من الأراضي، التي تؤدي بدورها إلى تدمير المواطن الطبيعية، وفقدان التنوع البيولوجي.
التشجير هو الحل
في ظل هذه الظروف، تبرز أهمية حملات التشجير كأحد الحلول الفعّالة للتصدي لهذه المشكلات البيئية وتحسين جودة الحياة، إذ إن الشجرة الواحدة يمكنها إنتاج كمية كبيرة من الأوكسجين على مدار حياتها. على سبيل المثال، الشجرة الناضجة ذات الحجم المتوسط يمكنها إنتاج ما يصل إلى (118) كيلوغراماً من الأوكسجين سنوياً. وهو ما يحتاجه الشخص الواحد لمدة عام كامل. علماً أن كمية الأوكسجين التي تنتجها الشجرة تختلف بناءً على نوع الشجرة وحجمها وصحتها. كذلك تلعب الأشجار دوراً كبيراً في إنتاج هذا الغاز عبر عملية التمثيل الضوئي، إذ تأخذ ثاني أوكسيد الكربون من الجو وتنتج بدلاً عنه غاز الأوكسجين. ويمكن للشجرة الكبيرة صد ما يقرب من (55) كيلوغراماً من الغبار المتطاير أثناء العواصف الترابية. كما يساعد الحد من استخدام المركبات الخصوصية والاستفادة من النقل العام، في تحسين البيئة، وهذا ما شرعت به الدول في مختلف أرجاء المعمورة من اجل صحة المواطن والحياة الصحية السليمة، لهذا نرى أن من الضروري ان تكون في كل بيت وشارع وحديقة، شجرة على الأقل.
وتولي الحكومة أهمية خاصة في هذا المجال، إذ تضمن منهاجها الحكومي – وهو ما أعلنته مؤخراً خلال مؤتمر العراق للمناخ – العمل على إعداد رؤية العراق للعمل المناخي لغاية العام 2030، واعتماد مشاريع الطاقة المتجددة، مع وضع أطر زمنية لتنفيذ ستراتيجيات التنوع البيولوجي ومكافحة التلوث، لذا فقد شرعت بمشاريع عدة، مثل مكافحة التصحر، وتقنيات الري المقننة للمياه، ومعالجة المياه الثقيلة، واستثمار الغاز المصاحب ووقف حرقه لخفض الانبعاثات الكربونية.
أصل الغابة شجرة
يتمتع العراق بمناخ متنوع يمتد من الصحراوي إلى المعتدل، وهذا يعني أن هناك مجموعة متنوعة من الأشجار التي يمكن زراعتها بنجاح في البلاد. ومن الأشجار التي تنفع زراعتها في العراق: النخيل، والزيتون، والحمضيات، والرمان، والتين، واختيار الشجرة المناسبة يعتمد على العوامل البيئية المحددة لكل منطقة في العراق، بما في ذلك نوع التربة، والمناخ، واحتياجات المياه.
توفر المساحات الخضر الحضرية فرصاً كبيرة لإحداث تغيير إيجابي وتحقيق التنمية المستدامة لمدننا. كذلك المساحات الخضر العامة المفتوحة لممارسة رياضة المشي، وركوب الدراجات، واللعب والأنشطة الأخرى التي تمارس في الهواء الطلق، التي يمكن لها تحسين التنقل الآمن وتوفير الخدمات الأساسية للنساء وكبار السن والأطفال، فضلاً عن المجموعات السكانية ذات الدخل المنخفض، وبالتالي تعزيز المجال الصحي. ويوفّر إدماج أولويات الصحة العامة في تطوير المساحات العامة نهجاً يحقق المنفعة المشتركة في المناطق الحضرية. كما أن اتباع سبل تراعي مسائل الصحة حين تخطيط المساحات الخضر يمكن أن يوفّر إمكانية تحقيق أكبر عدد من المستفيدين.
ينظم العراق اليوم العديد من الحملات الشعبية والحكومية من أجل مقاومة التصحر والحد من ارتفاع درجات الحرارة، من هذه الحملات (بغداد الخضراء، نخيل العراق، ألف شجرة لكل مدينة، الشجرة الخضراء)، وغيرها من الحملات الوطنية.
وأنتَ، وأنتِ، هل اتخذتما القرار؟؟ شهر أيلول، هو شهر زراعة الأشجار في العراق، فهل تنوي أن تكون شجرتك أصل غابة الأحفاد المستقبلية؟ القرار لكم.