آمنة عبد النبي- المانيا
لن تصبّ أي مقارنة بسيطة بين النتائج المذهلة التي حصدها طلبة السادس الإعدادي الذين عاشوا ظروف الفقر القاسية ومشاهير الميديا الذين خاضوا الامتحانات نفسها وكانوا مشغولين بالاستمرار بإرسال الرسائل السلبية للمجتمع وأنّهم لن يكونوا يوما من الأيام قدوة صالحة للآلاف من متابعيهم،
مشاهير الميديا حصلوا على أسوأ الدرجات وأثبتوا أنَّ الشهرة في التيك توك والانستغرام وغيرها من مواقع التواصل لن تضمن التفوق.
ببساطة لمع أوائل آخرون بلا شهرة سابقة وبلا دروس خصوصيّة، ولا معاهد أهليّة، ولا حتى أبسط وسائل الرفاهية وإنما مجرد بُسطاء بإصرار فولاذي، (مثلاً) شاب يعمل حمّالاً بظهر مكسور في النهار ويخوض بالليل صراعاً دموياً مع مرض الثلاسيميا كأي فارس تفوّق بامتياز، وفي الجانب الآخر تمشي لقاعة الامتحان فتاةٌ يُتِّمتْ بلحظة دخولها القاعة لتكمل أمنية أب كان حلمه الوحيد أن يتباهى بها قبل أن ينهي حياته سائق ستوتة متهوّر، أما الأكثر غرابة فيكمن في ربّة بيت أنقذت حياتها المليئة بالانكسارات بدءاً من زوجها المقعد والاهتمام بطفليها الصغيرين وبعشرات المشكلات المُتعبة، أنقذتها بالتفوق الدراسي.
إنّهم اوائل.. ولكن من نوعٍ آخر وكان من الممكن أن يضيعوا في زحمة الأوائل الآخرين، ولا يهتم أحد بما حققوه إلّا أن قراراً من وزير التعليم العالي والبحث العلمي د.نعيم العبودي بشمولهم بمقاعد المجموعة الطبية جاء تقديراً لظروفهم القاسية وتثميناً لما بذلوه ورغبة بخلق نموذج ناجح لا توقف طموحه ظروف الفقر والفاقة.
أبوة خارج الكرسي
سائق ستوتة متهور أنهى حياة أب كان حلمه الوحيد أن يتباهى بابنته المتفوقة الذكية وهي تمشي بكامل كبريائها وشموخها داخل أروقة كلية الطب، لكن كعادتها تأتي الاقدار هوجاء وبما لا تشتهي الانفس، إنّها قصة الطالبة الاولى بتول وهي أكثر قصة محزنة لفتاة بمثل عمرها الفتي؛ إذ شاءت الأقدار أن تفقد والدها بيوم الامتحان، ولكنّها استحضرت روحه بإصرار وحدثتها عن جذوة الامل لتكمل ما بدأته بالرغم من مرارة الفقد وخرجت بمعدل98% على محافظة النجف، وبالعادة فإن المتفوق يكرّم ويحتفى به فكيف اذا كان الظرف العصيب انتزع (أباها) قطعة روحها وتركها وحيدة في مجاهل الحياة المخيفة، لكنها عوّضت هذه المرة بتكريم الوزير العبودي لها بمقعد مجاني في كلية الطب، لعلّه يسد بعض الألم الذي فتك بها بفقد أبيها.
مثابرة تتحدى الثلاسيميا
أمّا الطالب عبد الهادي، الذي بالرغم من معاناته مع مرض الثلاسيميا وبالرغم من عمله المرهق (حمال) الا أنّه تحدى كل الظروف واستطاع أن يحقق معدل 95٪، وقدّم له الوزير العبودي مقعداً في المجموعة الطبية دعماً وتكريماً له.
في حين كان للطالب مصطفى عباس السعدي من مدينة البرتقال بعقوبة قصة مختلفة، فلم يستعن بأي مدرس خصوصي بملايين الدنانير ولم يجبر على دخول معهد أهلي خصوصي، بل حتى مرشحات المواد والمسمّاة بطرق المتكاسلين او محدودي الذكاء لم يعتمدها، وإنما كانت وسيلته الوحيدة وغير المكلفة نهائياً باعتباره ضعيف الحال الاعتماد والاستعانة بتطبيق اليوتيوب، كان يقرأ ويحفظ ويستمع لجميع الدروس المجانية من خلاله واستطاع النجاح بمعدل 93 بفرع الاحيائي رغم الصعوبات وعسر الحال.
يقين ثابت
بيد أمومية تهزّ المهد، وباليد الاخرى تمسك الحلم وتدير دفة أقدارها المثقلة بالهموم، فبذرة النّجاح لا يزرعُها إلّا المثابرون على العمل بالجدّ والاجتهاد، ولا يحصد ثمارَها سوى الّذين اتخذوا من العلم طريقاً ومن المعرفة وسيلةً للتّسلّق نحو القمّة، وزينب بلا شك هي انموذج لذلك العنوان الفخم، إذ استطاعت أن تحوّل حياتها المليئة بالانكسارات بدءاً من اليتم إلى الفقر والمسؤولية الكبيرة ورعاية طفلين وزوج مقعد، تحدت جميع هذه الظروف العصيبة وصنعت بإصرار منقطع النظير مصيراً لنفسها ولعائلتها بالعودة الى مقاعد الدراسة الخارجية وتجاوزت من خلالها المراحل الابتدائية والمتوسطة والاعدادية وحققت معدل 95 ٪ لكن شرط العمر صار عقبة أمام دخولها للجامعة.
ظنّت زينب أن الامل في دخول المجموعة الطبية انقطع وصار حلماً بعيد المنال ولا وجود لأي بصيص يلوح بالأفق لترجمة فرحة العمر، لكنها أخيراً كُرّمت من قبل الوزير وعدّت انموذجاً للمثابرة من خلال منحها مقعداً مجانياً بالمجموعة الطبية في جامعة العين – ذي قار.
لا دروس خصوصية
أما الأخوان حسين وعلي، فهما شابان مثابران من قضاء قلعة صالح بمحافظة ميسان، اللذان كانا من الأوائل في الفرع الاحيائي رغم ظروفهما الصعبة وسكنهما في قرية قصية من المحافظة، وأيضاً استطاعت ملاك وهي طالبة من محافظة الأنبار تجاوز السادس الإعدادي بمعدل 99٪ دون إضافات وتدخل ضمن مجموعة الأوائل على مستوى العراق رغم ظروفها الصعبة وفقدان والدها إلا أنها أصرت على إكمال مسيرتها العلمية وتحقيق حلم والدها بدخول كلية الطب وبلا أساتذة ودروس الكترونية.
إذن، بعد كل ما تقدّم في التحقق عن حياة الاوائل الاستثنائيين وكيف عاش ظروفها بسطاء المناطق المُتعبة، نستخلص أن الجادين وأصحاب الاصرار هم من يصلون أولاً لا غيرهم، وهم الاقدر والاجدر بمقاعد المجموعات العلمية المتقدمة، باعتبار أن الأمر غير مقرون نهائياً بما توفره معاهد الدروس الاهلية المكلفة ولا طوابير المدرسين الخصوصيين ولا بالشهرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما المفتاح الحقيقي في الإصرار والهمّة كما أثبت لنا هؤلاء الشباب.