إياد عطية الخالدي – تصوير: بلال الحسناوي /
تواجه القوات الأمنية تحديات كبيرة في منطقة حبلى بالأزمات السياسية والأمنية وتعمل القيادات العراقية على بناء قدرات الجيش والشرطة اللذين يمتلكان خبرة كبيرة اكتسباها منذ تأسيسهما في عشرينيات القرن الفائت، ليكونا دائماً على أتم الجاهزية لمواجهة كل التحديات الأمنية، بعد أن حققا مع قوات الحشد الشعبي انتصاراً باهراً ضد تنظيم داعش الإرهابي في منازلة كبرى انتهت بدحر التنظيم وكسر شوكة الإرهاب العالمي.
وعلى الرغم من أن الجيش مرّ طوال قرن ومنذ ولادته في عهد الانتداب البريطاني، بمنعطفات كبيرة لكنَّه ظل وفيا للعراق وشعبه وسداً منيعاً أمام محاولات زعزعة وحدة البلاد واستقلالها.
وشهد في مسيرته الطويلة كثيراً من المحطات التي رفع بها هامات العراقيين ودافع بها عن وحدة البلاد وشعبها، لا سيما في حربه ضد تنظيم داعش، فضلاً عن مشاركته في الحروب ضد الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين عام ١٩٤٨وحرب حزيران عام ١٩٦٧ التي قدم أبطاله فيها تضحيات كبيرة.
لكن الجيش مر بمراحل عثرات وانكسارات لا سيما عام ٢٠١٤ حينما تمكن تنظيم داعش من احتلال ثلاث محافظات عراقية، واقترب من أسوار بغداد، قبل أن ينتفض العراق كله بفتوى المرجعية الرشيدة التي جعلت العراقيين يملؤون سوح الجهاد للدفاع عن البلاد، التي قادت إلى ولادة الحشد الشعبي، الذي انبرى لحماية بغداد من السقوط بيد التنظيم الإرهابي، وخاض مع القوات العراقية معارك ضارية.
وتعرَّض الجيش العراقي للخذلان وزُجَّ به في أتون حرب ظالمة له ولعقيدته العسكرية عام ١٩٩١بعد مغامرة نظام صدام الذي كان قد خرج تواً من حرب عبثية مدمرة ضد ايران، فاحتل الكويت عام ١٩٩٠.
حرب التحرير ضد داعش
ومثلت حرب التحرير ضد داعش فرصة للقادة والعسكريين العراقيين لإعادة الاعتبار لجيشهم الكبير، وقد كان النجاح والاندفاع الذي حققه مقاتلو الحشد الشعبي حافزاً كبيراً لاستعادة ثقة الجنود والضباط بأنفسهم، وفي غضون أقل من نصف عام أعاد الجيش تنظيم صفوفه لينهض من جديد كالعنقاء ويسطر أروع ملاحم البطولة والتضحية في الحرب ضد تنظيم داعش، لا سيما قوات مكافحة الإرهاب التي زرعت الرعب في قلوب عناصر هذا التنظيم، وخاضت معارك ملحمية لم يشهد لها تاريخ الحروب مثيلاً.
يقول الفريق المتقاعد عبد كاطع: إن الجيش العراقي هو من أكثر جيوش الدول الاقليمية خبرة ودراية في إدارة كل أنواع المعارك على الأرض، وأكد أن تحديات كبيرة تواجه الجيش العراقي، من بينها الاستقرار السياسي والمجتمعي الهش، كالصراع الامريكي والايراني وبوجود قوات أمريكية تشكل هاجساً لدى الايرانيين تمثّل أحد التحديات الكبيرة التي تزعزع استقرار المنطقة ونأمل أن تنسحب هذه القوات في أسرع وقت، لأن وجودها بات يشكل عبئاً على الجيش العراقي.
وأكد الفريق الذي كان يتحدث لمجلة الشبكة أن القوات البرية العراقية متكاملة، ولكنها بحاجة إلى مواكبة التطورات الحديثة وتنويع مصادر سلاحها، ويمكنني القول إنها الاقوى في المنطقة، لكن العراق ما زال بحاجة إلى بناء قدراته الجوية سواء بالطائرات المقاتلة أو الطائرات الهيلكوبتر التي تلعب أدواراً مهمة على الصعيد القتالي والنقل والتموين والامدادات المتنوعة للقطعات البرية، فضلا عن الحاجة إلى تأمين منظومة الدفاع الجوي.
وفي هذا الصدد فقد أعلن رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي انسحاب أكثر من نصف القوات الأميركية المتمركزة في العراق في الايام المقبلة في كلمة له بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الجيش العراقي.
وقال الكاظمي: لقد توّج جيش الوطن مسيرته إلى جانب قواتنا الأمنية بكل صنوفها في دحر تنظيم داعش الإرهابي وطرده من أرض العراق المقدسة.
ونهض جيشنا منتصراً من كبوة داعش، من جرح اسمه داعش… خرج الجيش منتصراً على محاولة كسر هيبته ووجوده وطمس هويته، وقد فعل ذلك مراراً عبر التأريخ الحديث.
وأكد القائد العام للقوات المسلحة أن على عاتقنا واجباً مباركاً بوضع جيشنا في الموقع الذي يستحقه وإعادة الثقة لضباط الجيش ومراتبه بأنكم أيها الأبطال رمزنا وعنوان هيبتنا وسيادتنا.
من جهته أكد رئيس الجمهورية برهم صالح في كلمته التي هنأ بها الجيش بذكرى تأسيسيه أن العراق يعيش اليوم ظروفاً عصيبة وبالغة التعقيد، وهذا يدعونا جميعا إلى توحيد الصفوف وتغليب المصلحة الوطنية العليا للحفاظ على أمن العراق وسيادته واستقراره.
وبين صالح أن المرحلة المقبلة التي تتطلب التآزر والعمل المشترك بين جميع العراقيين وبكافة مكوناتهم تكون الأولوية فيها لاستمرار وإدامة زخم الانتصارات بمطاردة فلول عصابات الإرهاب وتحقيق النصر الحاسم والنهائي، وتلبية مطالب جميع العراقيين في حياة حرة كريمة تحفظ لهم بلدهم وسيادته واستقلاله، وإعادة إعمار المدن المحررة، والنهوض بالواقع الاقتصادي لتأمين مستقبل أجيالنا المقبلة.
تحديات
ويقول الباحث في الشؤون الاستراتيجية والعقيد المتقاعد في الجيش العراقي لطيف غالي إن المعارك الحديثة تحتاج إلى تكامل بين مختلف صنوف الجيش، وعلى الرغم من أهمية القوات البرية وعديدها وتدريباتها لكن هذه القطعات باتت تتحرك بالتساوق مع صنوف أخرى تساعدها في حسم المعارك في الحرب الحديثة، اذ لاريمكن للجيش أن يتقدم في أراضي العدو من دون تأمين السيادة الجوية الكاملة التي تتيح لقطعاته التحرك بمرونة ومن الواضح أن العراق ما زال يعتمد على قوات التحالف الدولي في تأمين غطاء لتحركاته على الارض، وهذا ينبغي أن ينتهي، فبلدنا لديه كل الامكانات لتعزيز منظومته الجوية، ولا ينبغي أن يرهن أمن البلد وسيادته لدول أخرى.
وشدد العقيد غالي في حديثه لـ(الشبكة)على أهمية تعزيز السيادة الجوية وتنويع مصادر السلاح، فوحدة البلاد ستظل هشة وخاضعة للمزايدات من دون بناء قدرات العراق الجوية، إذ تطور الأمن الجوي وتنوعت وسائله بتقدم علوم تكنولوجيا الاتصال، الامر الذي يستدعي إتاحة الفرصة للطاقات العلمية العراقية لدخول مضمار الجيش واستحداث صنوف جديدة تدعم السيادة الجوية، وتعزز الانظمة الدفاعية للعراق لا سيما منظومة الدفاع الجوي.
وقال اللواء: يمكن للعراق التعاون مع دول عديدة لبناء منظومة الدفاع الجوي ودعمها بالمعدات الحديثة التي تنتجها فرنسا والصين وروسيا بهدف تطوير هذه المنظومة سريعا لتكون قادرة على تأمين السيادة الجوية وملء الفراغ الذي قد يخلفه انسحاب القوات الأمريكية التي تتولى الآن مهام واسعة في إدارة العمليات الجوية، وهذا التحدي ليس صعباً على القدرات والعقول العراقية، وهو أمر لا خيار لنا فيه سوى الاعتماد على قدراتنا وتطويرها.
وفي هذا السياق قال اللواء الركن معن الساعدي قائد قيادة الدفاع الجوي: إن قدرات جيشنا تتطور في بناء منظومة الدفاع الجوي، ونسيطر على السماء العراقية بالكامل
وأوضح السعدي لـ(الشبكة) أن الجيش العراقي يمتلك منظومة كشف ردارات ومنظومة ردع للصواريخ والطائرات ومسيطر على حركة الطائرة ولدينا منظومة ردع مدفعية وكل هذه المنظومات ذات تقنية حديثة بيد أنَّه أكد لآن هناك سباق تسلح بالعالم والجميع يدرك أهمية منظومة الدفاع الجوي في تأمين البلاد وحمايتها، ولهذا نحن يجب أن نواكب هذا السباق لتطوير قدراتنا في هذا الميدان.
مطالبات
وتسود قناعة سياسية واجتماعية أن الجيش هو الركيزة الاساسية لحماية وحدة البلاد في ظل منطقة تلتهب بالازمات والحروب ولهذا تزداد المطالبات بتعزيز قدرات هذا الجيش ليقوم بمهامه الكبيرة بحفظ أمن وسيادة البلاد واستقرارها.
ويقول عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية سعران الأعاجيبي: إن الجيش العراقي ما زال بحاجة إلى تطوير منظومة الدفاع الجوي، بشراء أسلحة ورادارات حديثة، مشيراً إلى ضرورة تنويع مصادر التسليح.
وبيّن الاعاجيبي في تصريح صحفي بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش أن “لجنة الأمن والدفاع النيابية طالبت الحكومة بتنويع مصادر تسليح الجيش العراق، وعدم الاعتماد على دولة واحدة”.
وتساءل عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية كيف سيكون وضع جيشنا في حال تردي العلاقات بيننا وبين هذه الدولة، مؤكداً أنها من الطبيعي أن تلجأ إلى قطع السلاح والعتاد علينا، وبالتالي ستكون أسلحتها بلا فعالية”، منوهاً بأن”الجيش العراقي لديه أسلحة من دول عدة، منها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وروسيا وألمانيا.”
وفي ما يخص حاجة الجيش العراقي إلى نوعية الأسلحة، ذكر الأعاجيبي أن “أبرز ما يحتاجه الجيش العراقي حالياً هو تسليح منظومة الدفاع الجوي، التي هي دون مستوى الطموح، بل تكاد تكون شبه معدومة”.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية أكد حاجة العراق إلى “شراء رادارات حديثة، ومنظومة صواريخ متطورة، وتقنيات جديدة، فضلاً عن تدريب أفراد الدفاع الجوي على هذه الأنظمة والأسلحة الحديثة”.
“اللجنة طالبت بأن تكون من ضمن موازنة العام المقبل 2021 تخصيصات لتعزيز منظومة الدفاع الجوي في الجيش العراقي”، وفقاً لسعران الأعاجيبي.
وأكد المقدم الركن عبد الله رياض كوكز أن جيشنا وهو يحتفل بالذكرى المئوية لتأسيسه، فإنه يعاهد شعبنا على البقاء مشروع فداء وتضحية للذود عن تراب الوطن وحماية حدوده، مؤكدا أن جيشنا في تقدم مستمر على كل الصعد، وأنه على أتم الجاهزية لتنفيذ جميع المهام الموكلة اليه.
وأضاف المقدم كوكز: بهذه المناسبة الخالدة نستذكر بفخر شهداء جيشنا الذين قدموا أرواحهم الطاهرة لتحرير مدن العراق من عصابات داعش الإرهابية، تلك المعارك التي نفتخر بها فقد مكنّنا الله من هزيمة هذا التنظيم المجرم، وستظل أيدينا على الزناد لملاحقة فلوله المنهزمة في الصحارى والوديان، ولن يكون لها موطئ قدم على أرضنا الطاهرة.
الشرطة العراقية
ومنذ تأسيسها في عام ١٩٢٢ تولت الشرطة العراقية واجبات حفظ الأمن والنظام لكي يتسنى لقوات الجيش التفرغ لأعمالها الأصلية في الاستعداد للدفاع الخارجي، فقد أصدرت وزارة الداخلية العراقية أمراً بتشكيل قوة من الشرطة، فكانت بذلك أول نواة للشرطة في العراق، في عام 1922 أسست مديرية الشرطة العامة بإدارةعراقية، لكن الشرطة العراقية لعبت دوراً أساسياً وفاعلاً في تحرير مدن العراق من تنظيم داعش الإرهابي، وقدمت الشرطة الاتحادية تضحيات كبيرة في حرب التحرير التي كسرت شوكة الإرهاب.
وبمناسبة ذكرى تأسيسها دعا النائب الاول لرئيس مجلس النواب حسن الكعبي، إلى مضاعفة الجهود لحفظ الامن في البلاد.
وذكر بيان لمكتبه نقلته (واع)، أن “الكعبي وخلال تهنئته بذكرى تأسيس الشرطة العراقية، شدد على أهمية دعم الشرطة وتكثيف الإعداد والتدريب والتجهيز والتطوير وتقديم امتيازات المُضحين كافة، فضلا عن تلبية احتياجات وحقوق عوائل الشهداء، وتأمين علاج جرحاهم”.
وجدد الكعبي دعوته لرجال الشرطة الابطال للنهوض بمسؤولياتهم الكبيرة وبذل أقصى الجهود في الحفاظ على أرواح العراقيين والحرص على حماية أمنهم وسلامتهم واستقرارهم ومكافحة الفساد وتطبيق القانون على الجميع، والتصدي للجريمة بأشكالها كافة”.
وثمّن النائب الاول لرئيس البرلمان بطولات الشرطة وتضحياتهم الخالدة في تحرير المدن من سيطرة عصابات داعش الإرهابية، وإعادة الامن والاستقرار وتطبيق القانون فيها.
ويقول العميد في وزارة الداخلية حميد خلف مجلي لـ(الشبكة): إن رجال الشرطة كانوا إلى جانب الجيش والحشد في كل معارك التحرير، وخاصة في معركة تحرير الموصل التي سطرت فيها قواتنا أروع الملاحم البطولية.
وأكد العميد مجلي أن الشرطة العراقية تغيّرت وتنوّعت مهامها والتزاماتها وباتت سنداً وعوناً للمواطن وعوناً للمجتمع في حفظ النظام والأمن والاستقرار، ونعاهد قياداتنا والشعب العراقي أن نظل مشاريع استشهاد وتضحية من أجل أن ينام أطفالنا قريري العيون.