د. حسن عبد راضي /
يستذكر المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها في مثل هذه الأيام من كل عام ذكرى ملحمة الطف الخالدة، تلك الملحمة التي خطّت أعظم المبادئ الثورية، وأصدق المدونات التاريخية المنادية بحقوق الإنسان، لا سيما حقه في الحياة وحقه في اعتناق الرأي السياسي الأصلح له ولمجتمعه.
إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام التي بَذل فيها دمَه الطاهر الشريف، وبَذل فيها أهلُ بيته وأصحابُه دماءَهم الزواكي نصرةً للحق وللبيان الأخلاقي العظيم الذي جاءت به ملحمة الطف، لهي نبراسٌ خالد في الضمير الإنساني ما بَقيتْ الحياة على هذه الأرض، فكل الثورات قبل ثورة الحسين وبعدها كانت لها أغراض سياسية محدودة غالباً بالمصالح الخاصة والضيقة التي تناسب فريقاً دون آخر، وكثير منها سيق إليها الأنصار ترغيباً بالمال أو ترهيباً بسطوة السلاح والوعيد بالشر، إلا ثوار الطف، فقد تطوعوا جميعاً إلى اتباع قائدهم وإمامهم وساروا معه خطوة خطوة عارفين أنهم بارزون إلى حتوفهم، غير عابئين بالعسس الذين كانوا يترصدونهم، ولا بالجيوش التي كانت تنتظر سفك دمائهم الشريفة ظلماً وعدواناً.
إن أفواج العشاق الحسينيين لَيَشوقُهم أنْ يَمثُلوا بين يدي سيد الثائرين الإمام الحسين عليه السلام، وأن يستعيدوا في هذه المشاهد العظيمة من الالتفاف والتعاضد والنصرة ما فاتهم “تاريخياً” من موقف عظيم يمنّون النفس أنهم حاضروه، لما تأخر مددُهم لحظة عن الالتحاق بركب الثورة،.. إنهم يقفون هنا لأن هذه الأرض كانت قد تعمدت بالدماء الزاكيات، وتاهت أرضها على كل أرض في هذه الدنيا بأنها تضم أجساد خير الأنام بعد جدهم رسول الله صلى الله عليه وآله، وخيرة الفادين والمضحين من أجل رفعة الإسلام وخير الإنسانية.