“الوادي الأخضر” بمدينة الصدر تستبدل الكتب الدراسية بالحاسوب

اياد عطية الخالدي/

تجربة التعليم الالكتروني في مدرسة الوادي الأخضر بمدينة الصدر ولدت بحق من رحم الصعوبات ومازالت تمضي بقوة في مواجهة تيار معاكس.
مدينة يصل سكانها الى ثلاثة ملايين نسمة تعاني مدارسها من الاختناقات، والنقص الذي يبلغ أكثر من 200 مدرسة، فضلا عن التجاوزات على أجزاء واسعة من مدارسها واتخاذها سكنا للعوائل، وسط هذا المناخ السيئ ولد أنجح مشروع عراقي لتطوير التعليم وجعله الكترونيا.
فريق متميز
مديرعام تربية الرصافة الثالثة حسين علي ناصر العبودي الذي تسلم مهام عمله عام 2008،هو صاحب المشروع وواضع النواة الأولى له، اعتمد العبودي على فريق متميز بمعنى الكلمة، وهم مجموعة من منتسبي المديرية المتخصصين بالحاسبات، يقودهم شاب متطلع وممتليء بالحماس هو طعمة دايح طعمة.
قطف الثمار
نجح الفريق بتحويل أفكار مديره الى مشاريع ملموسة وقطف ثمارها سريعا، إذ باشر أولاً بعملية مراقبة عمل دوائر مديرية التربية الكترونيا عبر كاميرات في الأقسام والأماكن المهمة، الفكرة ليست جديدة لكنها حينذاك كانت لافتةُ وبداية لمشاريع وأفكار متلاحقة بدأت بمراقبة الامتحانات الوزارية عبر ربط الكتروني، بحيث كان مدير عام التربية يراقب الامتحانات في المدارس، ويعطي إيعازات وملاحظات حول سيرها من مكتبه.
مشروع كبير
نجاحات طعمة وترجمته لأفكار مديره المتطلع نحو التجدد والتطوير وإصراره على تحدي الصعوبات، كانت حافزاً لبدء مشروع كبير هو تحويل الدراسة الورقية الى دراسة الكترونية، تسلم المديرية لحواسيب من الوزارة بهدف توزيعها بين المدارس الثانوية، كان الفتيل الذي اشعل الفكرة ووضعتها موضع التطبيق الجدي، وبدلا من توزيع الحواسيب على طلبة لن يحققوا الفائدة المرجوة منها، كانت الفكرة هي الذهاب الى مدرسة ابتدائية لإطلاق أول صف الكتروني. التقصي عن مدرسة مناسبة اوصل المدير العام لتربية الرصافة الى مدرسة الوادي الأخضر، اذا توفرت فيها جملة من العوامل لإنجاح هذه التجربة، لعل أهمها هو حماس مديرتها (مصرية تعبان) وهي مربية فاضلة وذات سمعة طيبة في مجال التربية والتعليم والحزم الاداري، كما لقيت فكرة المشروع حماسا من ذوي الطلبة الذين كانت عوائلهم ولم تزل سندا يعتمد عليه في إنجاح التجربة.
يؤكد العبودي أن فكرة انشاء صف الكتروني للصف الأول إبتدائي، هي فكرة عراقية فأغلب الدول التي اعتمدت التعليم الالكتروني تجنبت خوض مغامرة مع الصف الأول، بما فيها اليابان صاحبة القدح المعلى في مجال التعليم الالكتروني.
وأشار الى أن تناغم أولياء الأمور ودعمهم كان له الأثر البالغ في نجاح المشروع مبينا أن البرنامج اتاح لأولياء أمور الطلبة مشاهدة أبنائهم وهم في الصف، كما مكنهم من الاطلاع على درجاتهم والتعرف عن كثب على مستوياتهم.
ويقول مسؤول الحاسبات طعمة دايح طعمة: بعد أن اكملنا عملية الربط الالكتروني، اتجهنا الى تحويل المادة الورقية الى مادة الكترونية، وهذا هو الجزء الأصعب في العملية.
ويوضح طعمة كانت البداية صعبة ولمست أن هناك تخوفا وحذرا مبالغا لدى المعلمات من التعامل مع أجهزة الحاسوب، تحدثت مع المعلمات وقلت لهن لاتهتمن بعطل أجهزة الحاسوب، الأمر الذي شجعهن على التعامل بلا خوف معه واكتشافه جيداً.
جهود
وبينما وقفت الست هند تشرح لنا الأساليب التي ابتدعتها المدرسة في تدريس الكتب المنهجية الكترونيا، كانت مديرة المدرسة مصرية تعبان تستذكر الأيام الأولى للتجربة التي رفضها بعضهم وشجعها وتفاعل معها بعضهم الآخر.
وتقول كنت اسمع عبارات مؤلمة تثير الإحباط وتصف تجربتنا بأنها ليست سوى دعاية لن تستمر، كما شعرت أن وزارة التربية لم تتفاعل معنا حتى في الجانب المعنوي، ولهذا كنا أمام محك اختبار كبير، وقد ابعدت بعد متابعتي عددا من المعلمات اللائي لم يظهرن حماساً وتفاعلاً مع التجربة.
وتضيف مديرة مدرسة الوادي الأخضر “أشعر اليوم بالفخر لنجاح هذا التجربة التي كبرت من صف واحد الى أربعة صفوف، وفي خطتنا ان نجعل جميع صفوف مدرستنا الكترونية بطلبتها الذين يصل عددهم الى 800 طالب وطالبة، كما أتقدم بالشكر لمدير عام تربية الرصافة ولمسؤول الحاسبات في المديرية طعمة دايح على ثقتهما أولا بنا واختيار مدرستنا لهذا المشروع، وثانيا للجهود الكبيرة التي بذلاها ومازالا يبذلانها.
الدراسة الالكترونية
وشدد مدير عام تربية الرصافة الثالثة على أنه في المستقبل القريب، ستكون الدراسة بالكامل الكترونية برغم الصعوبات و»المعرقلين» معربا عن فخره بأنه من أرسى هذا المشروع الكبير ووضع اللبنة الأولى في بناء كبير، يأمل أن يحظى بما يستحق من إهتمام وعناية من وزارة التربية التي وصف نظرتها الى مدينة الصدر بـ “النظرة الظالمة» مشيدا في الوقت نفسه بتفاعل مجلس محافظة بغداد مع مشروع المدرسة الالكترونية.
مؤتمر
وعلى مايبدو أن الوزارة التي لم يكلف المسؤولون فيها أنفسهم عناء زياراتها، ذاع صيتها عربياُ وعدت من أفضل مشاريع تطوير التعليم وتلقت بالفعل دعوة من دولة الإمارات للمشاركة في مؤتمر أفضل المشاريع لتطوير التعليم، والغريب أن الوزارة اعتذرت عن تحمل كلفة السفر الى الامارات، لكن حماسة المدير العام والمدير والمعلمات وأولياء أمور الطلبة، كانت وراء الاصرار على المشاركة وتحمل نفقات السفر، وبالفعل تستعد المدرسة للمشاركة في مؤتمر أفضل المشاريع لتطوير التعليم بوفد كبير يمثل نموذجاً لصف الكتروني.
ويؤكد العبودي: أن من الرائع أن يكون هذا المشروع مبادرة من تلاميذ وأهالي مدينة الصدر قبل المدارس الأخرى، فالجميع يعرف أن المدينة عانت الكثير بسبب الحروب والحصار، وولد جيل من الأطفال آنذاك لم يحظ بالتعليم وتحمل مسؤولية إعالة الأسر منذ نعومة أظافره، وهذا ولد واقعا اجتماعيا ظالما وواجهنا بأمية الأبوين وعدم حثهما للابناء على الإنضمام الى المدرسة ومتابعتها، لذلك شرعنا بمعالجة المشكلة من خلال إفتتاح مدارس لليافعين ومشاريع لمحو أمية الكبار، لكن بصراحة الاستجابة كانت محدودة، لان المدينة ظلت تعاني وتنزف بسبب الارهاب فقد أعطت الاف الشهداء.
واكد أهمية وجود مدارس جاذبة تتوفر فيها وسائل ممارسة الهوايات.