أحلام أطفالنا.. من الطب والهندسة إلى اليوتيوبر والفاشينيستا

هند الصفار
رسوم: عامر آل جازع/
السؤال الأزلي الذي يسأله الكبار للصغار دائماً “شتريد تصير من تكبر؟” والإجابة سابقا كانت “طبيباً، أو مهندساً، أو معلمة، أو ضابطاً.” هذه المهن التي كانت تسيطر على عقول الأطفال لعقود مضت، لكن يبدو أنها تغيرت في عصر السوشيل ميديا،
إذ أصبحت أولويات المستقبل مختلفة، وتعكس ثقافة وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي.
(فاطمة)، ذات الـ 12 عاماً، عندما سألناها “ماذا ستصبحين عندما تكبرين؟” أجابت: “لا أعلم، ربما طبيبة أسنان، لأنها تحصل على أموال كثيرة.” أما أختها فقد فاجأتنا، (زينب) ذات الثماني سنوات قالت: أريد أن أصبح متسولة..!” وعزت السبب الى أن “المتسولات يحصلن على أموال كثيرة بدون تعب أو جهد وبوقت قياسي.” قد يبدو الأمر مضحكاً، ولكنه المضحك المبكي، لأن التفكير هنا ينصب على المادة وسهولة الحصول عليها.
أما (علي) ذو الـ 7سنوات، فهو محتار ما بين الطبيب والمهندس. وعندما سألنا مجموعة أخرى من الأطفال كانت 90% من الإجابات مابين (يوتيوبر) و(بلوكر)، على حد تسميتهم، والسبب كما قالوا: إنهم “مشهورون” و”عدهم فلوس هواية”.
اليوتيوبر والمهندس
ومع أن مهنة الطب وتخصصات المجموعة الطبية والصحية أصبحت بالنسبة للأغلبية تمثل تعييناً مركزياً ومورداً مالياً ممتازاً، إلا أن اليوتيوبر والبلوكر أصبحا ينافسانها، حتى أن الأطفال صاروا يقلدون ما يشاهدون، ويحاولون فتح بث مباشر وإنشاء قنوات على اليوتيوب وعرض يومياتهم، أملاً منهم بالشهرة وتحصيل الأموال، إذ تعلن مواقع التواصل الاجتماعي الحصول على مكافآت عند عبور حاجز مشاهدات محدد.
أما مهنتا المهندس والضابط، فقد انحسرتا بين أمنيات الأطفال الآن، لأنهما لا تلاقيان رواجاً في العائلة وكلامها وتشجيعها لهم. في حين حاولت مهنة (المعلمة) الاحتفاظ بموقعها بين الأمنيات، إذ تقول (لمار): “أريد أن أصبح معلمة”. وعندما سألتها عن السبب أجابت: “أريد أصير مثل ست نور وأعلم الجهال، واللي يصيح أضربه بالعودة.” أما نرجس فهي أيضاً تريد ان تصبح معلمة لأنها تحب أن تعلم الأطفال وتحب معلمتها الجميلة.
البيئة والمستوى العلمي
بعض أسباب هذا التوجه لدى الأطفال طرحته التربوية (رؤى الجنابي)، مديرة روضة منذ أعوام عدة، حين قالت إن “قلة فرص التعيين والعمل لخريجي الكليات المتنوعة، إذ يرى الطفل غالبية من حوله من الخريجين لا يجدون فرصة عمل مناسبة حسب تخصصهم، ويلهثون وراء مصادر الرزق وكسب العيش خارج التخصص، والحديث الدائم في الأسر العراقية عن شحة المال، كل ذلك أصبح يدفع الطفل لمعرفة كيفية جمع الأموال بجهد بسيط وبوقت قليل. إضافة الى توجه الأطفال للإنترنيت ومشاهدتهم (اليوتيوبريين) بمحتويات هابطة يحصلون على أموال طائلة بدون علم وتعب. وأيضاً جهل الأم والأب وانتشار الأمية، إذ إن غالبية أولياء الأطفال المسجلين لدي هم إما يقرأون ويكتبون أو أميون، وهذا بالتأكيد يولّد بيئة غير مهتمة بالعلم الى حد ما.”
الإرشاد النفسي.. تغير القدوة
أما الأستاذ المساعد الدكتورة (إيمان حسن الجنابي)، تخصص الإرشاد النفسي والتوجيه التربوي في كلية التربية ابن رشد، فقد أرجعت الأسباب الى أن “هناك عوامل كثيرة تؤثر على أمنيات الطفل وما يطمح أن يكون في المستقبل، منها المرحلة العمرية، والخبرات التي يكتسبها من البيئة الاجتماعية، ومدى ثقافة والديه. فمن خلال التقليد والاقتداء بالآخرين تتكون أمنياته، لأن القدوة واختيار المهنة يأتيان من حبه وتعلقه، إما بوالديه أو بمعلمه، أو بغيرهم.”
وتشير الدكتورة الجنابي الى أن “عصر التكنلوجيا اليوم، وما يحمله من مؤثرات، أزاح الاسرة والمدرسة من موقع المؤثرين في تفكير الطفل، إذ أصبح امامه عالم واسع متعدد الثقافات يتعامل معه الطفل عبر شبكات التواصل الاجتماعي، التي يكتسب منها الكثير من الأفكار والسلوكيات التي تؤثر فيه وفي تفكيره وأمنياته. فالطفل اليوم يتمنى أن يكون (يوتيوبراً) او (بلوكراً) لأنه قد سمع بأنهما من أكثر المهن التي من خلالها يجني الأموال ويحصل على الشهرة. وهنا يقع الدور على المدرسة بالتركيز على الأنشطة الرياضية والفنية واكتشاف مواهب وإبداع الطفل، إذ مع الاستهانة بمادتي الفنية والرياضة في غالبية المدارس الحكومية بسبب الدوامين الثنائي والثلاثي، وصغر حجم البيوت التي يعيش فيها الأطفال وعدم قدرة العوائل على الذهاب بصورة مستمرة للتنزه مع أولادهم بسبب قلة المتنزهات وكثرة المصاريف، والجو الحار في العطلة الصيفية، جعل الأهل يستسهلون إعطاء الموبايلات لأولادهم للتخلص من (شيطنتهم)_على حد تعبيرهم_ حتى أصبح الموبايل هو راعيهم وعرابهم والمحرك الرئيس لأفكارهم وطموحاتهم.”
ومن الطبيب والمهندس، مرورا بـ (لومُلازم لو مَلازم)، الى المعلمة وغيرها.. تتحول أمنيات الأطفال وتهبط مع المحتوى الهابط، بغياب دور الأهل والأسرة في توجيه عقول أبنائهم نحو مستقبل مرموق. والله يستر من جيل (البلوكرات).