ضحى مجيد سعيد
في نهاية كل عام ميلادي، تجري الاستعدادات على قدم وساق في معظم بقاع العالم لاستقبال العام الميلادي الجديد.
لا يخفى على الجميع أن فصل الشتاء هو ما يشهد هذا الحدث سنوياً، فكثير من المناطق الجبلية تكون فيها أجواء رأس السنة الميلادية موشحة ببياض الثلج ولمعان بريقه، وهذا ما يميز احتفالات كردستان العراق عن بقية محافظاته بهذه الإشراقة في كل عام جديد، التي تعكس انطباعاً إيجابياً وتفاؤلاً، فمع بوادر ظهور بريق العام الجديد، يترقب الناس والمجتمعات في عموم العالم ويستعدون للاحتفال بهذه الأشراقة التي تصادف أيضاً ذكرى ميلاد نبى الله عيسى (المسيح) عليه السلام، فتكون للديانة المسيحية ومعتنقيها طقوس خاصة وأفراح مميزة بهذه المناسبة، ولاسيما في كردستان العراق، التي تتوشح بألوان الفرح المتنوعة.
طقس أصيل
لتسليط الضوء على هذه الأجواء، حاورنا القس ملاذ بيثون – ٥٥ عاماً – راعي كنيسة الاتحاد في أربيل، الذي تحدث عن تحضيرات الكنيسة قائلاً: “الاستعدادات تنقسم إلى قسمين: أعياد الميلاد المجيد، ورأس السنة الميلادية، الكنيسة تبدأ بتحضيراتها لخدمة العيد يوم 25 كانون الأول، إذ يشهد القداس ترانيم ميلادية، وقراءات من الكتاب المقدس، وصلوات، كما تحافظ العائلات المسيحية على تقليد الزيارات المتبادلة بين الأهل والجيران، وهو طقس أصيل يعكس خصوصية مجتمعاتنا في الشرق الأوسط، وإن الأولوية خلال هذه الزيارات تكون لتعزية العائلات التي فقدت أحباءها، ولاسيما إذا كان هذا أول عيد لهم بعد فقدان عزيز.”
وأضاف القس بيثون أن “طريقة الاحتفال تختلف بين الكنائس، إذ يحتفل بعضها في ليلة العيد، بينما تقام طقوس أخرى في يوم العيد، لكن المحور الأساس يبقى الاحتفال بولادة السيد المسيح. وهذه الأعياد فرصة لتذكير الناس بمحبة الله للبشرية، وإظهار الفرح من خلال مساعدة الفقراء والأرامل واليتامى، كما أن دور الكنيسة لا يقتصر على الاحتفالات، بل يشمل أيضاً خدمة المجتمع.”
أواصر المحبة
وعن مشاركة أتباع الديانات الأخرى في الاحتفالات، أكد القس بيثون: “لابد من المحافظة على التعايش والمشاركة مع بقية الديانات، وهذه المشاركة مصدر فخر لنا، إذ يزورنا الأحبة والأصدقاء من مختلف الأديان للتهنئة، ونبادلهم بالمثل في مناسباتهم، بما يعزز أواصر المحبة والتعايش بين مختلف أطياف المجتمع، وأن المسيحيين حريصون على احترام أحزان الآخرين في حال تزامنت أفراحنا مع أحزانهم، إذ إن العيد في جوهره يعكس رسالة السيد المسيح في مساندة المظلومين، فنحن نتفاعل مع المناسبات الحزينة لبقية الديانات إذا صادفت مع أفراح الكنيسة في رأس السنة (فرحاً مع الْفَرحِين وبكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ)، هذه آية من رسالة رومية، تُشجع المسيحيين على أن يحترموا أحزان وأفراح الآخرين، بغض النظر عن الدين والمذهب والتوقيت، فوقوفنا مع الحزانى ومواساتهم في وقت المصائب هو العيد الحقيقي بالنسبة لنا.”
أما بخصوص أمنيات المسيحيين والكنسية للعام الجديد فأوضح بيثون قائلاً: “نحن في صلاة دائمة للشعب المسيحي ولإخواننا العراقيين من كل الأطياف والقوميات والأديان، لكي نستطيع أن نعيش بعضنا مع بعض بمحبة وسلام وفرح.”
صلاة وترانيم
وعن استعدادات العائلات لاستقبال العيد تحدثت السيدة وحيدة فريد جتو (أم مينا) – موظفة في إحدى كنائس أربيل- قائلة: “احتفالنا يُركز على الطقوس الدينية داخل الكنيسة، مثل الوعظ والصلاة وترانيم الميلاد، إلى جانب الزيارات العائلية، ونحن نحافظ على هذه التقاليد لأنها جزء من هويتنا، ومن الطقوس قيام القسيس بخدمة الوعظ وشرح لآيات الإنجيل التي تتعلق بميلاد السيد المسيح وبعدها الصلاة وترانيم ومدائح، فضلاً عن زيارة الأهل والأصدقاء.”
تضيف أم مينا قائلة حول المأكولات المرتبطة بالعيد: “إن الأكلات المشهورة بالعيد هي الكبة المصلاوية الكبيرة، وكبة اليخني، وكبة القيسي، إلى جانب الباچة العراقية الشهيرة، وهي أبرز الأطباق التي تُقدم خلال الأعياد، كما يجري تخصيص يوم للأطفال يتضمن فعاليات متنوعة ومسابقات ومسرحيات، حيث يُدخل بابا نوئيل السرور إلى قلوبهم بتوزيع الهدايا في مشهد يعكس البهجة المرتبطة بهذه المناسبة، وبعدها ينتهي الاحتفال ويخرج الأطفال إلى منازلهم فرحين بواسطة حافلات خاصة بالكنيسة، فضلاً عن توزيع الهدايا من قبل الأسر لأطفالهم.”
تواصل إنساني
في السياق نفسه، أوضح السيد صابر حسين -مسؤول إعلام محافظة أربيل- إن إدارة المحافظة مع قرب بداية العام الجديد تقوم سنوياً بتزيين الشوارع في المحافظة، فضلاً عن تأمين المراسم التي تُقام خلال أعياد رأس السنة الميلادية، إذ تستقبل أربيل أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة بأجواء من الفرح والمحبة التي تجمع بين مختلف فئات المجتمع، لتكون مناسبة للاحتفال والتواصل الإنساني، وسط تطلعات بأن يحمل العام الجديد سلاماً واستقراراً لجميع العراقيين.