علي غني /
أكثر من شاب وكهل وطفل، في بغداد والمحافظات، توفوا بسبب حقنهم بإبرة يطلق عليها شعبياً (إبرة الخبط)، فالموت يغيّب بعض المواطنين في ظروف غامضة هذه المرة، من دون سابق إنذار، فلماذا أصبحت (إبرة الخبط) مميتة إلى هذه الدرجة، وهل هناك في الطب وصفة طبية تصرف أدوية (خبط)، ولماذا هذا الصمت من قبل الجهات المختصة لتبيان الحقائق، ومن يقف وراء هذه الظاهرة؟
قررت أن أقوم بجولة بين الممرضين في مناطق عديدة من بغداد، والحق يقال أني قد واجهت صعوبات عديدة، أولها وليس آخرها هو رفض العديد من الممرضين الحديث عن هذا موضوع، تخوفاً من المساءلة القانونية، لكن ممرضاً فنياً تصدى للموضوع، ورجاني ألا أذكر اسمه، فقلت له إنني لا يهمني الاسم بقدر معرفة الحقائق. سألته ما (إبرة الخبط)؟ فأجابني بأنها عبارة عن مادتين، هما الفولتارين + الديكادرون، لكن هناك موانع عديدة من استخدام هذه الإبرة، وهنا تكمن (الكارثة )، إذ أن العديد من الطارئين على مهنة التمريض لا يعرفون هذه الموانع، منها ما إذا كان المريض يشكو من ربو أو ضيق في القصبات أو سعال، إذ لا يجوز أخذ الفولتارين مطلقاً لأنه يسبب ضيقاً في القلب. وأحب أن أضيف لك معلومات في غاية الأهمية (والكلام للممرض الفني الذي فضل عدم ذكر اسمه): هناك شركات تبيع أدوية غير خاضعة للرقابة الصحية أو الفحص المختبري، إلى جانب أن المواطن العراقي، ما بعد التغيير، تدهورت مناعته بسبب مخلفات الحروب، وكذلك انخفاض المستوى العلمي في الكليات الطبية التمريضية. كل ذلك شجّع بعض الطارئين على التمريض على الاجتهاد في الأمور الطبية. وإذا أردت الحقيقة، فإن من واجب الممرض أن يسأل المريض عن الأمراض المزمنة التي يعاني منها، عن الحساسية مثلاً، ولاسيما حساسية الدم، قبل أن يبدأ بعلاج المريض، فضلاً عن ضرورة وجود الأجهزة الطبية الكافية التي يحتاجها للفحص، ليتمكن من التعامل مع المريض بعلمية، إذ أن واجبه أصلاً هو إنقاذ المريض.
لا دخل للممرض
لكن نقيب الممرضين (فراس علي الموسوي)، الذي كان عائداً من جولة تفتيشية على عيادات التمريض في بغداد، أكد لي أن “أكثر من (15) عيادة وهمية أغلقت في يوم واحد، فنحن لا نسمح مطلقاً للعيادات أن تقدم خدماتها التمريضية، ومنها القبالة، إلا ضمن السياقات المهنية والعلمية، لأن مهنة التمريض على تماس مباشر بحياة المواطن.”
أضاف الموسوي: “نحن نصر ونسعى إلى أن تكون العيادات التمريضية تحت إشراف اللجان الانضباطية في النقابة. أقول لك حقيقة أن الوفيات التي تحدث بسبب (إبرة الخبط) لا دخل للمرض فيها، فالرجل يعمل وفق وصفة الطبيب، وليس له الحق بالاجتهاد، لكن، -لا أخفيك القول- إن هناك علاجات طبية فيها مضاعفات جانبية لا يعرفها المواطن أو حتى الممرض، ونتيجة لهذا السهو تحصل المضاعفات في (إبرة الخبط) وهي كثيراً ما تحصل نتيجة عدم إخبار الطبيب أو الممرض من قبل المواطن ذاته.”
وبيّن الموسوي: “نريد من الأطباء والصيادلة أن يوضحوا الآثار الجانبية للدواء، وإجراء الفحوصات المناسبة قبل وصف العلاج.” وتابع: “نحن في نقابة التمريض وجهنا جميع العيادات، التي تعمل تحت إشرافنا، بالالتزام بالتعليمات التي تصدرها النقابة، وأن المخالف يعرض نفسه إلى المساءلة القانونية، وقد يؤدي ذلك إلى حرمانه من مزاولة المهنة، وإذا عاد إلى تكرار ذلك فنحن مضطرون لتقديمه إلى المحاكم المختصة، أما مسألة الخطأ عند الممرضين، فهذا وارد، إذ يعد من الأخطاء غير المتعمدة، التي لا تؤدي إلى موت المريض.”
الطب العدلي
غير أننا لم نيأس من البحث عن الحقيقة، لذا توجهنا هذه المرة إلى وزارة الصحة، حيث التقينا المتحدث باسمها الدكتور (سيف البدر)، الذي بدأ حديثه بالقول إن “ما يقوم به بعض الطارئين على مهنة الطب، يعد إجراءات غير صحيحة ومخالفة لضوابط العمل الطبي، إذ لا يجوز لغير المتخصصين وصف أي علاج أو تعاطيه، وأن أسباب الوصول إلى هذه الحالة هو عدم الالتزام بالضوابط والقوانين من قبل المريض، والذي يقدم على هذا العمل، سواء أكان طبيباً أو غيره، إذ سوف يكون في موضع المخالفين للضوابط، فيخضع إلى إجراء تحقيق أصولي من قبل الوزارة أو النقابة ذات الشأن، وقد يحال إلى المحاكم المختصة بحسب ثبوت نوع المخالفة والضرر الذي نتج عنها.”
وتابع البدر أن “الوزارة عندها دراسة لكل حالة وفاة عن طريق دائرة الطب العدلي، وأنا أنصح المواطنين بعدم تناقل أخبار أسباب الوفاة غير المؤكدة، إلا من خلال دائرة الطب العدلي، لأنها الدائرة الوحيدة التي بإمكانها تحديد ومعرفة حالة الوفاة بدقة، كما أود أن أنصح المواطنين، عند تعرضهم للأمراض، بمراجعة المستشفيات الحكومية والعيادات المرخصة.”
ثقافة المعرفة
ولمعرفة الرأي القانوني، توجهنا إلى رئيس اتحاد الحقوقيين العراقيين الدكتور (محمد نعمان الداودي)، الذي أكد على “وجوب تثقيف المواطنين بضرورة مراجعة الأطباء الاختصاص، وعدم اللجوء إلى الطارئين على التمريض، إذ أن علينا التمسك بثقافة المعرفة وليس الجهل.” وعد (الداودي) أن “الممرض يتحمل تبعات (الخطأ الطبي) على وفق المادة (411) التي تسمى (القتل الخطأ).” ومن حسن المصادفة أننا التقينا المحامي (عمار الخزرجي) الذي يحمل شهادة في الصيدلة إلى جانب شهادة القانون ليخبرنا أن معظم هذه الحالات تحدث بين أبناء الطبقات الفقيرة، أو حتى الوسطى، وذلك بسبب ضعف الحالة المادية، واللجوء إلى بديل لا يكلفهم مادياً.
وتابع: “في مثل هذه الأمور اذا لم يتوفر تعاقد بين الممرض والمريض ، فإن الطرف الثاني (المريض) يتحمل التبعات القانونية، أما إذا كان هناك تعاقد بين الممرض والمريض، فهنا تترتب على الممرض التبعات القانونية.”