طه حسين – تصوير: حسين طالب /
تعلقه وحبه للماء لم يكونا صدفة، وتعلمه السباحة وهو في سن الثالثة من عمره فقط، كان مقدراً ليكون هذا التعلق والحب والإصرار على تعلم السباحة سبباً في إنقاذ عشرات الأرواح في الحادثة الأليمة التي ألمّت بزائري الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) لينال من خلالها الشهادة. هذه الأحداث روتها لـ “(مجلة الشبكة)” أم الشهيد.
وألم الفراق يلازمها، على الرغم من الرضا والقبول بقضاء الله وقدره، بفقدانها ابنها الوحيد الذي كانت تدّخره لأيام الكبر والشيب، والعكاز الوحيد الذي خرجت به من هذه الدنيا للتعكز عليه، وليكون لها عوناً وسنداً في أواخر أيامها، كل ذلك لم يكن هيناً ولا سهلاً، ولاسيما حين تتلفت هنا وهناك، لترى أقرانه من أولاد عمه وأقربائه قد تزوجوا ورزقوا بعدة أولاد يملأون الدار بضحكاتهم وأصوات لعبهم.
الشهيد سباح ماهر
وأكدت والدة الشهيد عثمان العبيدي السيدة (نجلة محمد عبد الجبار), أن “الشهيد ومنذ نعومة أظفاره كان دائم الحركة ومشاكساً لا يحب القيود، لذا فإنه قد تعلم السباحة منذ صغره على يد عمه (نبيل عبد الحافظ)، الذي كان حكماً دولياً في حينها، ومحباً للرياضة أيضاً، إضافة إلى كونه سباحاً ماهراً, ما دفعه إلى تعليم معظم أولاد العائلة السباحة، ومن ضمنهم الشهيد عثمان.” مشيرة إلى أنها سبق أن حذرت الشهيد مراراً وتكراراً من عواقب تعلقه بالسباحة، التي ستكون نهايتها الغرق، ليكون جوابه الدائم “ولم لا.. هذا الأمر لا يخيفني”، وكان ولعه بالسباحة يزداد شيئاً فشيئاً ويوماً بعد يوم، ما جعله يتقن فنون السباحة والغطس تحت الماء، متذكرة إحدى الطُّرف التي حصلت خلال إحدى السفرات العائلية إلى مدينة الحبانية السياحية، عند نزول عدد من أفراد العائلة للسباحة في البحيرة ليفاجأوا بعثمان يخرج من تحت الماء فجأة ليقوم بإخافتهم، إذ أن المزاح كان من أحب الطباع والصفات لديه.
نجدة الزوار وإنقاذهم
لحظة سماعه بحادثة التدافع الأليمة التي حصلت على جسر الأئمة اثناء زيارة التعزية بوفاة الإمام موسى الكاظم (عليه السلام)، وكان حينها نائماً في البيت يأخذ قسطاً من الراحة لكي يعاود المذاكرة والتهيؤ للامتحانات، فقد كان طالباً في الصف الثاني صناعة, ليصحو على أصوات الهلع والاستغاثة التي حدثت بسبب التدافع الذي حصل بين صفوف الزوار، حين قام أحد الإرهابين بإشاعة وجود انتحاري بين صفوف الزائرين، ما أثار الرعب والفوضى في المكان وتسبب بسقوط سياج الجسر وعدد كبير من الزائرين في مياه نهر دجلة، وعند سماعه صراخ النساء والأطفال وأصوات الاستغاثة، اندفع مسرعاً إلى مكان الحادث، وهبّ لنجدة العالقين وسط أمواج النهر، وتمكن من إنقاذ اكثر من 18 شخصاً ما بين امرأة وطفل وشيخ، لينال منه الإعياء والتعب وهو داخل المياه، ويغرق نتيجة ذلك، لترتقي روحه الطاهرة إلى بارئها، حين كان متشبثاً بالحياة من أجل انقاذ الآخرين.
الشهادة العالية
وذكرت والدة الشهيد أنها، أثناء قيامها بمراجعة الدروس معه، “طلبت منه أن يجدّ في مذاكرته لكي يتمكن من تحقيق درجات عالية تؤهله إلى الحصول على شهادة عالية، ليجيبها بكل ثقة بأنه واثق من أنه سيحصل على شهادة أعلى من الشهادة الدراسية التي سيحصل عليها أي شخص في الدنيا. وقبل وفاته بثلاثة أيام سمع خبر وفاة العلّامة (عبد الكريم بيارة) من جامع الإمام أبي حنيفة النعمان، فهمَّ بالذهاب إلى الجامع، إلا أنني منعته لكي يكمل واجباته، ليرد علي بأنه قد ذهب وشاهد مكان دفن العلّامة في المقبرة القريبة، ولم يكن ذلك القبر الذي رآه سوى القبر الذي جرى دفنه فيه هو بذاته، لا الشيخ المذكور. بعد وفاة الشهيد زارنا الكثير من السياسيين وعلماء الدين، سنّة وشيعة، وكانوا حريصين على تلبية احتياجاتنا.”
مناشدة
وأوضحت والدة الشهيد أنه، وعلى الرغم من ذلك الاهتمام، إلا أن الدولة لم تمنح عثمان حق الشهادة، إلى حين تسلم نوري المالكي رئاسة الوزراء، لنمنح جميع الحقوق الممنوحة للشهيد من تعويض وراتب تقاعدي، إضافة إلى تخصيص وحدة سكنية في مجمع الصليخ السكني، لكن لم يحسم موضوع تمليكها لنا إلى حد الآن، لذا نطالب الجهات المسؤولة في الحكومة بإنصافنا وتمليكنا هذه الوحدة السكنية، التي هي من ضمن استحقاقاتنا الرسمية، والسبب أن وزارة الإسكان والإعمار تطالب وزارة الصحة بدفع المستحقات المالية للشقة باعتبارها الجهة المانحة.
تخليد موقفه البطولي
وبيّنت أم الشهيد عثمان أنه “عندما تمر الذكرى السنوية لوفاته، يستذكر جموع الزائرين الوافدين عبر مدينة الأعظمية الموقف البطولي للشهيد عثمان وإنقاذه عدداً من الأرواح البريئة، ويكون الاستذكار عادة من خلال الهوسات الشعبية التي تخلد وتمجد ذلك الموقف، ومما يزيد القلب فرحاً هي الأمنيات بأن يحشر ابني الشهيد مع الأولياء والصالحين، هذه الأمنية التي أدعو الباري عز وجل أن يحققها له، إن شاء الله، ومازال العديد من الناس يقومون بزيارتنا والاطمئنان علينا، على الرغم من مرور أكثر من ثمانية عشر عاماً على الحادثة الأليمة، إلا أن الزيارات لم تعد كثيرة كما كانت في السابق.