مصطفى الهاشمي/
تأسس صندوق التقاعد لغرض احتساب الحقوق التقاعدية لموظفي الدولة، وذلك من خلال فرض رسوم اشتراكات على الموظفين واستثمار جزء من أموالهم في حافظات استثمارية او في مشاريع مدرة للربح لتعظيم قدراتهم المالية وفقاً للقانون.
الصندوق الذي أسهم في مساعدة الدولة على تخطي مصاعبها المالية في أوقات عديدة، لعل أشهرها تمويل رواتب موظفي كورونا إبان الجائحة، بات يواجه تحديات مالية تعود بالأساس الى زيادة عدد المتقاعدين الذين حدد القانون الأخير سنهم التقاعدية بستين عاماً، الأمر الذي رفع من أعدادهم بشكل غير محسوب، في مقابل خسارة اشتراك لمدة ثلاث سنوات، كما جرى احتساب مرتبات عالية لبعض الشرائح، كالنواب والمسؤولين والدرجات الخاصة، ما تسبب بضغط كبير على أموال الصندوق. وعلى الرغم من اشتراك الصندوق باستثمارات حكومية في سندات الخزينة وحوالات البنك المركزي بعائد او فائدة قليلة، إلا أن صندوق التقاعد مهدد بالإفلاس، كما أن هناك خططاً لدخول ميدان الاستثمارات بقطاعات مختلفة بالمشاركة مع الدولة، ولاسيما في قطاع الاتصالات.
عجز في صندوق المتقاعدين
يقول المدرس المساعد في كلية الإدارة والاقتصاد / جامعة بغداد الدكتور نوفل غازي: إن “صندوق التقاعد يعاني عجزاً، برغم الاستقطاعات من رواتب الموظفين المستمرين بالخدمة شهرياً كتوقيفات تقاعدية لهم.”
ويوضح غازي في حديثه مع “الشبكة” أن “زيادة أعداد المتقاعدين مقارنة بعدد الموظفين المستمرين بالخدمة، والتقلبات الاقتصادية، تؤثران على عائدات الصندوق أو تزيدان من نفقات الرعاية الصحية والمعاشات، الى جانب إدارة غير فاعلة للصندوق أو سوء التخطيط المالي، مع ارتفاع تكاليف المعيشة، بما يمكن أن يؤثر على قدرة الصندوق في تلبية احتياجات المتقاعدين بشكل كاف، وأن هذه العوامل قد تسهم بوجود عجز في صندوق المتقاعدين على الرغم من الاستقطاعات الشهرية من رواتب الموظفين.”
استثمارات
وبشأن عدم استثمار الصندوق أمواله خارج إطار سندات الخزينة وحوالات البنك المركزي، علماً بأنه بحاجة الى فائدة تقدر بنحو 13 بالمئة بدلاً عن فوائد السندات المذكورة البالغة 3 بالمئة، بين غازي أن “الصناديق التقاعدية تستثمر عادة في أصول آمنة منخفضة المخاطر، مثل سندات الخزينة وحوالات البنك المركزي لضمان الاستقرار والحفاظ على رأس المال.” مؤكدا أن “الاستثمار في أصول تحمل مخاطر أعلى قد يعرض الصندوق لخسائر كبيرة في حالة وجود تقلبات في الأسواق المالية.”
ويضيف أن “السعي وراء عائدات عالية بشكل مفرط قد يزيد من مخاطر الاستثمار ويتطلب إدارة محترفة وتحليل دقيق للأسواق والفرص الاستثمارية، وهو ما قد يكون مكلفاً وصعب التحقيق، كما يمكن أن تكون استثمارات الصندوق في مجالات أخرى ذات عائد أعلى خطوة محفوفة بالمخاطر، لذا يجب مراعاة الأهداف الاستثمارية ومخاطر السوق.”
عائدات الاستثمار
كذلك أكد غازي “الحاجة الى هيكلة الصندوق لتعزيز إدارته وتحسين عائدات الاستثمار لتأمين مستقبل المتقاعدين.” مبيناً أن “هناك إجراءات يمكن اتخاذها لتنمية أموال المتقاعدين، منها تحسين الإدارة الاستثمارية بتطبيق ستراتيجيات استثمارية فعالة ومتنوعة لزيادة العائدات وتقليل المخاطر، فضلاً عن إمكانية توسيع قاعدة المساهمين من (القطاع الخاص)، اي زيادة عدد المشتركين في صندوق التقاعد من خلال الترويج والتوعية حول الفوائد والمزايا، علاوة على زيادة الاستثمارات في الأصول ذات العائد العالي وتنويع الاستثمارات من خلال استكشاف فرص استثمارية جديدة ومتنوعة لتقليل المخاطر وزيادة العائدات المتوقعة.”
الوضع المالي
وطمأن غازي جمهور المتقاعدين بالقول: “لا يمكن تأكيد المعلومات عن انهيار الصندوق خلال سنتين بدون دراسة دقيقة للوضع المالي والاستثمارات الحالية، أو تحليل موثوق.” داعياً الى ضرورة “التحقق من مصدر المعلومات ومدى موثوقيته، فضلاً عن النظر في الظروف والعوامل التي يعتمد عليها هذا التحليل.”
وتابع غازي “إذا كانت هذه المعلومات صادرة عن مصدر موثوق، فقد تكون هناك أسباب محددة ومحسوسة تؤدي إلى هذا الانهيار المتوقع، وفي هذه الحالة
يمكن اتخاذ إجراءات لتجنب ذلك، أما إذا كانت المعلومات غير مؤكدة، فإن من الضروري التحقق من مصداقيتها والبحث عن مصادر إضافية قبل اتخاذ أية إجراءات.”
ديون الحكومة
وعلمت ” الشبكة” من مصدر موثوق في الصندوق أن صندوق التقاعد يطلب الحكومة ملياري دينار كديون مستحقة عليها من نسبة التوقيفات التقاعدية المفروضة على الموظفين المحالين الى التقاعد، الذين تتحمل دوائرهم نسبة من هذه المبالغ، إلا أن الكثير من الدوائر لا تلتزم بهذا، ما أربك كثيراً إجراءات دفع رواتب ومستحقات المتقاعدين، فضلاً عن أن رواتب النواب التقاعدية العالية، هي الاخرى باتت سبباً في إفراغ الصندوق من أمواله.
من جهته، قال الأكاديمي الاقتصادي الدكتور حكيم الساعدي إنه “في حال وجود عجز مالي في صندوق التقاعد، فإن هذا يعني أن نسبة رواتب المتقاعدين أو أعدادهم تفوق النسبة المحددة للموظفين، فمثلاً إذا كان عدد الموظفين مليون موظف تستقطع منهم توقيفاتهم، فهذه الاستقطاعات تذهب الى المتقاعدين وليس لتوفير رواتب تقاعدية للمستقطعة منهم، نظراً لزيادة أعداد المتقاعدين.”
جدير بالذكر أن هيأة التقاعد الوطنية تتولى تطبيق 4 قوانين تتمثل بـ (قانون التقاعد الموحد رقم 27 لسنة 2006 المعدل بالقانون رقم 69 لسنة 2007)، وقانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006وتعديلاته، الى جانب قانون بيع وإيجار أموال الدولة رقم 32 لسنة 1986، الذي ينظم كيفية استثمار عقارات دوائر الدولة من خلال عرضها للإيجار أو الاستثمار، الى جانب (جمع الاشتراكات من منتسبي الدولة، والاستثمارات المالية، والإعانات أو المنح).