مصطفى ناجي/
بعد أن أقر مجلس الوزراء، مؤخراً، زيادة مقطوعة بلغت 100 ألف دينار على رواتب المتقاعدين، ممّن يتقاضون رواتب بقيمة مليون دينار فما دون، توحدت آراء مختصين بالشأن الاقتصادي، حول سبل الإفادة من مبلغ الزيادة، وتحقيق نوع من الرفاهية للمتقاعدين في ظل ارتفاع الأسعار، وعدم استقرار سعر الصرف في السوق المحلية،
مؤكدين في الوقت نفسه أن استمرار منح زيادات في الرواتب، بدلاً من السيطرة على التضخم وارتفاع الأسعار، سيلتهم جزءاً من الميزانية العامة للدولة، كما أن قانون الدولة أغفل أو تجاهل أمراً مهماً يحظى باهتمام المشرعين في كل دول العالم، وهو أن هناك متقاعداً يعيل نفسه فقط، فيما هناك آخر يعيل أطفالاً في سن الدراسة، وهؤلاء الأطفال ينبغي أن يحظوا باهتمام الدولة بتخصيص مبالغ لهم تكفي لتعليمهم ومعيشتهم ونفقاتهم، لأنهم أبناء الدولة قبل أن يكونوا أبناء المتقاعدين.
تحسين مستوى المعيشة
يقول الأكاديمي الاقتصادي في كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد الدكتور (صباح نعمة): “من الناحية الفعلية فإن الـ100 ألف دينار تعادل أقل من 100 دولار، وبالتالي فإن أية زيادة على مبلغ الراتب التقاعدي، الذي يفترض أن يكون حده الأدنى 500 ألف دينار، فإن هذه الزيادة ممكن أن تسهم نوعاً ما في تحسين المعيشة.” موضحاً “كلما ازدادت الأسعار ازداد سعر صرف الدولار، ما يُفقد القيمة الحقيقية للنقود (من الناحية الاقتصادية)، لذا فإن منح أية زيادة على الراتب في ظل بقاء سعر الصرف على معدلاته المرتفعة، لن يكون له أي أثر إيجابي على تحسين مستوى معيشة المتقاعد.”
سعر صرف الدولار
يضيف نعمة في تصريح لـ “الشبكة” أن “المتقاعد سوف يستفيد أكثر من مبلغ الزيادة عند انخفاض سعر صرف الدولار، فالدينار القوي يجعل قيمة الأسعار حقيقية، ما ينعكس إيجاباً على الراتب التقاعدي وارتفاع مستوى المعيشة للمتقاعدين.”
وأكد على “ضرورة معالجة الحاجة للحد الأدنى لمستوى المعيشة للمتقاعدين بسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية وبدلات الإيجار وأجور الكهرباء، فضلاً عن تكاليف الخدمات الصحية والعلاج.”
تفاوت الرواتب التقاعدية
ولفت الأكاديمي الاقتصادي إلى أن “هناك تفاوتاً في مبلغ الراتب التقاعدي، وعدم شمول جميع المتقاعدين بالحد الأدنى البالغ (500) ألف دينار، كما أن استمرار منح زيادات على الرواتب يستهلك جزءاً أكبر من الميزانية العامة.”
ودعا نعمة إلى “تحقيق العدالة في توزيع الرواتب التقاعدية بين الموظفين السابقين الكبار وبين الموظفين العاديين، نظراً لوجود فجوة كبيرة وفرق شاسع بين هاتين الشريحتين المنضويتين تحت اسم (المتقاعدين)، لأنه كلما ضاقت هذه الفجوة كلما تحققت الفائدة الفعلية للمتقاعد من مبلغ الزيادة.”
واقترح بعض الحلول الآنية لتوفير الحد الأدنى من الرفاهية للمتقاعد، منها دعم رعايته الصحية وجعلها مجانية، وكذلك فيما يخص أجور المدارس والكليات الأهلية (بالنسبة لأبنائه).
استقرار معدل التضخم
وبحسب بيان لوزارة التخطيط، فقد “استقرت مؤشرات التضخم خلال شهر أيلول الماضي، فقد سجلّت استقراراً في مؤشرات التضخم، إذ لم يشهد معدل التضخم الشهري أي ارتفاع أو انخفاض، مقارنة مع شهر آب الذي سجل ارتفاعاً بنسبة (0.5٪)، كما أن معدل التضخم السنوي خلال شهر أيلول الماضي شهد ارتفاعا بنسبة (3.6٪)، مقارنة مع نفس الشهر من عام 2022.”
من جهته، يقول الأكاديمي الاقتصادي الدكتور (ماجد البيضاني) إن “منح اية زيادة على رواتب المتقاعدين أو الموظفين ينبغي أن يقابلها تخفيض في معدلات الأسعار أو التضخم، لكي لا تهدر مبالغ الزيادة ويبتلعها عدم استقرار سعر الصرف في السوق المحلية.”
ورأى، خلال حديثه لـ “الشبكة” أن “من الضروري وضع سياسات سعرية صارمة، والحد من البيع بطريقة مزاجية أو كيفية لأصحاب الأسواق ومحال البيع بالتجزئة، إذ إن استمرار غياب الرقابة على الأسعار يستنزف موارد العائلة، ولاسيما ذات الدخل المحدود أو الفقراء.”
الإيجارات والمولدات الأهلية
وأكد البيضاني أن “الرفاهية يمكن توفيرها بحدها الأدنى للفقراء وذوي الدخل المحدود من خلال غلق أكبر الأبواب التي تنهب أموالهم، المتمثلة بمبالغ الإيجار والكهرباء المجهزة من المولدات الأهلية، كذلك فإن دعم المواطن بالبدائل المتمثلة بتوفير وحدات سكن واطئة الكلفة، وتجهيزها بالطاقة الشمسية سيجعله يشعر بطعم الزيادة في حياته بصورة أكبر.”
وأيد عدد من المتقاعدين الذين التقتهم “الشبكة” ما ذهب إليه البيضاني. إذ قال المتقاعد (عباس علي الطباطبائي) إن “تحديد أسعار المواد الغذائية الأساسية وتوفيرها، وخفض أسعار المولدات الأهلية وبدلات الإيجار سوف يسهم كثيراً في تحسين مستوى معيشتنا، ويوفر لنا بحبوحة في الأموال التي يمكن أن نعيش بواسطتها ولو بالحد الأدنى من الرفاهية.”
التزامات المتقاعد العائلية
فيما يقول المتقاعد (محمد محمود حسن): “قد يظن أكثر المواطنين أن المتقاعدين لا شغل ولا همّ لديهم إلا الجلوس في المقاهي ولعب (الطاولي) أو الدومينو، بينما نحن في الواقع علينا التزامات، كما أن معظمنا مسؤولون عن إعالة عوائلنا برواتبنا التقاعدية، رغم ضعفها.”
وأضاف أن “أي زيادة في رواتبنا يمكن أن تخدمنا في حال كانت السوق والأوضاع مستقرة والأسعار ثابتة، إذ إن الجزء الأكبر من الراتب يذهب إلى الإيجار والمولدات، فضلاً عن أن اختلاف سعر صرف الدولار قد أثر بشكل كبير على أسعار المواد الغذائية، وسط غياب الدعم الصحي للمتقاعدين.”