ضحى مجيد سعيد/
مع تباشير الربيع وتفتح الأزهار البرية، على إيقاع الدبكات وصدى الأناشيد الوطنية، يستعد العراقيون للاحتفال بأعياد نوروز، ولاسيما في كردستان، حيث يأخذ الاحتفال طابعاً قومياً يرتبط بكثير من القصص الأسطورية.. لعل أشهرها قصة كاوة الحداد.
ترتبط الاحتفالات بطقوس ومراسم بهيجة، وقد تزامن نوروز هذا العام مع شهر رمضان المبارك، والواقع أن احتفالات النوروز لا تقتصر على المجتمع الكردي فحسب، بل تحتفل به قوميات وبلدان عديدة مثل إيران وتركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وقرغيزستان وكازاخستان ومقدونيا وجنوب القوقاز والقرم ومنطقة البلقان وكشمير وكوجارات وشمال غرب الصين، وغيرها من الأقوام في غربي آسيا.
جهود أمنية
ولطالما سلب النظام السابق المحتفلين فرحتهم بسبب الظلم والاضطهاد، كما حاول الإرهابيون ومازالوا تعكير صفو الاحتفالات بعملياتهم الإرهابية التي تستهدف المحتفلين، لهذا فإن الحكومة عملت على وضع خطط أمنية لحماية المحتفلين بأعياد نوروز.
طقوس وتقاليد
يقول (سرهنك حمه أمين – 67 عاماً –)، متقاعد من سكنة أربيل: “مع أن هنالك بعض الاختلاف في طقوس الإحتفال، لكنها تكاد تتشابه بين أكراد العراق وأكراد بعض الدول الأخرى، رغم بعض الاختلاف في التسمية التي قد تكون بين بعض البلدان، لكن بغض النظر عن أبعاد هذه المناسبة والدول التي تحتفل بها، فإن الاحتفالات تستمر على مدار أسبوعين، وأبرز ما يحصل فيها هو تبادل الزيارات بين الأقارب والأحبة والخروج في سفرات سياحية معظمها عائلية للتنزه والتمتع بالطبيعة وتناول الأطعمة.”
وأضاف أن “عيد النوروز يكاد لا يخلو من قصص الأساطير والحكايات الخيالية القديمة والكثير من العادات والتقاليد المستنبطة منها، وبغض النظر عن اختلافها وتشابهها، فإن الثابت اليوم هو أن عيد الربيع (النوروز) يمثل فترة حلول بشائر الربيع أو بدايته.”
يكمل سرهنك: “تطورت هذه الطقوس على مر القرون البدائية القديمة، واتسعت رقعتها ومضامينها، لتتنوع الاحتفالات تدريجياً وتُصبح ذات تأثير اجتماعي وثقافي أكبر، كما أن غالبية الأسر و(الكروبات) تمضي الاحتفالات عل سفوح الجبال والحدائق والأماكن العامة في رحلات جماعية للاحتفال بهذا العيد المميز لدينا.”
شعلة نوروز
فيما تؤكد (آلاء محمد مير آغا – 54 عاماً -) من سكنة أربيل حيث تعمل معلمة، أن “أعياد نوروز تُمثل فرحة كبيرة للاحتفال بقدوم الربيع. ولا يقتصر الأمر على الربيع والتنزه وعيش لحظات الفرح والابتهاج فقط، بل إن تجمع العائلات والأقارب في هذه المناسبة على مدار ساعات النهار له دور كبير في تعزيز الأواصر بين الأسر وتناسي الخلافات، ناهيك عن تأثيراته في الترويح عن النفس.”
وأضافت أن “إحياء هذه المناسبة السنوية تتضمن فعاليات تتخللها طقوس وعادات وتقاليد، ولاسيما أن هذا الشهر من العام يعتبره الأكراد رأس السنة الجديدة بالنسبة لهم، كما أن هنالك مهرجانات تنظمها جهات رسمية ومجتمعية هنا في أربيل للعائلات الكردية للاحتفاء بهذه المناسبة، وأبرز الطقوس في هذا العيد إيقاد شعلة النوروز، فضلاً عن الذهاب في رحلات إلى سفوح الجبال، وعادة ما نذهب مع العائلة عشية ليلة 21 من آذار لإحياء المناسبة مع حمل المشاعل المغطسة بالزيت لإيقاد النيران هناك، حيث الاشتعال الأكبر. وفي أوائل الصباح لليوم التالي نذهب باكراً خارج المدن إلى سفوح الجبال في رحلات جماعية مع الأهل والأقرباء والأصدقاء للاحتفاء بالطبيعة وموسم الربيع، ونستمتع جميعاً بجمال الربيع والطبيعة الخلابة في جبال كردستان بمناظرها الساحرة، كما نتبادل التهاني والتبريكات والأمنيات فيما بيننا بقدوم العام الجديد.”
أطباق وحلوى
أما السيدة (أم سارة 33 عاماً- ربة بيت) فتقول إن “أبرز ما نحتاجه في الاحتفال بالعيد هو الخيمة والوقود و(المنقلة) والفحم، بالإضافة إلى ذلك نقوم بتحضير الأكلات العراقيه مثل الدولمة والبرياني والشيخ محشي والسمك والمشاوي والكليجة وغيرها من الأكلات الكرديه، فضلاً عن الحلويات والمكسرات والفواكه لتزيين المائدة.”
أم سارة أضافت: “نحن الكرد ننتظر هذا الشهر من عام إلى عام, ولاسيما أنه يجمع أعياداً عدة، وأبرز ما يميز أعياد النيروز (النوروز) هو ما نرتديه نحن النساء والأطفال على وجه الخصوص، فنعطي طابعاً جميلاً للعيد بارتدائنا الثياب الملونة المزركشة المستمدة من ألوان زهور الطبيعة، بالإضافة الى الأكسسورات المستوحاة من التراث، وتستغرق الاستعدادات للاحتفال بهذه المناسبة عادة من 15 يوماً إلى شهر، بدءاً من اختيار ألوان الملابس إلى تجهيزها وخياطتها، وأخيراً ارتدائها بهذا العيد الجميل الذي ننتظره بفارغ الصبر كل عام، بالطبع ليس هناك شخص لا يريد أن يفرح بنوروز ويرغب في أن يمر عليه العام هماً وغماً.. أليس كذلك؟” قلت: نعم بكل تأكيد.
نوروز الحرية
ويقول (سمير إسماعيل – 35 سنة) إن “احتفالات نوروز هذه الأيام تختلف عن الاحتفالات إبان حكم النظام الدكتاتوري السابق، إذ إننا نقيم احتفالاتنا من دون أن يطلب منا أحد تقديم معلومات تفصيلية عن نوع وحجم الاحتفالات وطبيعتها، ومن دون فرض رقابة أو وضع خطوط حمر يتوجب عدم تجاوزها كما كان معمولاً به سابقاً.”
فيما يقول (جاسم محمد): “الآن أستطيع أن أختار أي مكان أحتفل فيه وأرتدي الزي الكردي، وأتجول فيه في كل ربوع العراق وبكل حرية.”
ويتذكر (شهاب فرمان -42 سنة)، وهو مطرب شعبي، كيف أن رجال الأمن قاموا باعتقاله عندما كان يحتفل في اليوم الأول من نوروز عام 1985 حين كان عازف إيقاع ومطرباً شعبياً، لأنه كان ينشد إحدى الاغاني الوطنية، إذ ألقوا به في السجن، حيث قضى فيه أيام احتفالات نوروز بدلاً من أن يشارك الجميع في هذه المناسبة.