سجى رشيد
في عالمنا الرقمي المتسارع، أصبحت الألعاب الإلكترونية من أكثر الأنشطة الترفيهية جذباً للشباب والأطفال. لكن مع زيادة شعبية بعض الألعاب التي تعتمد على مشاهد العنف، أو تحفز السلوك العدواني، بدأ النقاش حول آثار هذه الألعاب على الصحة النفسية والسلوكية للشباب، بين مؤيد يرى فيها مجرد وسيلة للترفيه، ومعارض يعدها خطراً يهدد قيم المجتمع وسلوكيات أفراده.
مجلة “الشبكة العراقية” سلطت الضوء على هذا الموضوع، فكان أول المتحدثين العميد نبراس محمد علي من وزارة الداخلية الذي قال: مواقع التوصل الاجتماعي بشكل عام أنشئت لغرض الاستفادة منها من أجل التطور العلمي والفكري، لكننا نرى سوءاً في استخدامها. وتعد ظاهرة الألعاب الإلكترونية، أو إعطاء الهواتف إلى الأطفال دون رقابة، ظاهرة خطيرة جداً، لكون الإنسان عند المراحل التكوينية الأولى يعد في بدايات حياته على المستويين الفكري والبدني. ومن خلال تجاربنا كوزارة داخلية، وجدنا تأثيراً كبيراً على الأطفال الذين يستخدمون السوشيل ميديا، ومن ضمنها الألعاب الإلكترونية التي تؤثر سلباً على تنمية الشخصية، من خلال زيادة العنف الداخلي لدى الفرد والطفل، فضلاً عن إعطائها تصوراً غير حقيقي عن الحياة، ما ينتج أخطاراً على تكوين الشخصية للأفراد، خاصة الأطفال، من ضمنها بعض السلوكيات المرفوضة كالتحرش أو سلوك العنصر العصبي بالدرجة الأساس.
تنظيم ومتابعة
بدوره، يقول ولي الخفاجي (باحث اجتماعي): تكثر هذه الأيام الألعاب الإلكترونية، بعدما كانت الألعاب في السابق شعبية وبسيطة. لكن نتيجة التطور ودخول التكنولوجيا للعالم، كانت للأطفال العراقيين حصة كبيرة من هذه الألعاب، التي تكون فيها حالة الجذب، أو الاندماج، وتكون هناك علاقة بين الطفل واللعبة نفسها، حتى تصبح جزءاً منه، يشعر بالإثارة والتوتر حتى يصل إلى حالة الإدمان أحياناً.
وأوضح الخفاجي أننا اليوم لا نستطيع حرمان الطفل من هذه الألعاب، لأنها أصبحت واقعاً اجتماعياً، لكن تنظيم ومتابعة واختيار الألعاب هي الوسيلة الأفضل. وحسب رأي علماء النفس، فإن الخمس سنوات الأولى هي كفيلة بتكوين شخصية الفرد بشكل عام، ولذلك فالتركيز على هذه السنوات هو أمر مهم جداً بالنسبة للأطفال.
مضيفاً: على هذا الأساس، فإن أي محفز للطفل يؤثر على تفكيره وانطباعاته وسلوكه تجاه الألعاب الإلكترونية إذا كانت تحتوي على عنف ومقاطع مخالفة للأعراف والقيم، فإنها بالتأكيد ستؤثر على تصرفاته مع نفسه، أو مع إخوته أو أصدقائه وأقرانه، سواء في الشارع أو البيت والمدرسة، فقد يكون عدوانياً أو يكون منحرفاً، حسب المحتوى المعتاد عليه، وقد يعاني في بعض الأحيان من العزلة، لأنه يقضي فترة طويلة تمتد لساعات مع هذه الأجهزة، ما يجعل الطفل لا يأكل أو يشرب أو ينام إلا بوجود هذه الوسائل.
كما بيّن الخفاجي أن علماء النفس يعزون مرض التوحد كنتيجة لمتابعة هذه الوسائل. طبعاً هذه الألعاب، على الرغم من سلبياتها، إلا أنها لا تخلو من إيجابيات إذا وجهت بصورة صحيحة واعتبرت وسيلة ترويح عن النفس، أو لقضاء الوقت والابتعاد عن السلوكيات المنحرفة.
ناصحاً العائلات أن تأخذ الوسطية في التعامل من خلال المتابعة واختيار الألعاب الهادئة والمشاركة مع الطفل في الألعاب وتقسيم الوقت لهذه الوسائل.
سلوكيات عدائية
أما عذراء نعيم عبيس، وهي والدة عدد من الأطفال، فتقول إنها كثيراً ما تلاحظ تغييرات في سلوكيات الأطفال، التي تكون أقرب إلى العنف، أو أن تكون أحياناً سلوكيات عدائية وانطوائية، وأن هناك عائلات تواجه صعوبة في منع أطفالها من لعب ألعاب معينة، بسبب تعلقهم الشديد بها، مشيرة الى أن قسماً من هؤلاء الأطفال يلجأ إلى العنف في البيت، ولا تستطيع تلك العائلات معرفة نوعية الألعاب التي يلعبونها، أو فرض رقابة عليها، إلا في حالة خلودهم إلى النوم، وأن أطفالنا وشبابنا يمتلكون ذكاء ومعرفة كبيرة بالتطورات التكنولوجية، إلى الحد الذي يستطيعون التعامل بسهولة مع أي حذف او حجب لتلك الألعاب.
وتضيف عذراء قائلة: إن لهذه الألعاب تأثيراً كبيراً على علاقات أطفالنا بأصدقائهم، وبحياتهم الاجتماعية، فأغلبهم يلجأون إلى العزلة، على الرغم من محاولتنا توفير كل البدائل التي تغنيهم عنها، من سفرات ونزهات أسرية، لكن تبقى وسائل التواصل مسيطرة على عقولهم بشكل كبير. ولا يسعنا هنا إلا أن نخاطب وسائل الإعلام من أجل إنتاج برامج تعليمية وترفيهية ونشر إرشادات حول الاستخدام الأمثل لتلك الألعاب.