الإنترنت في العراق .. دورة الفساد في الطبيعة

#خليك_بالبيت

ريا عاصي /

أحمد مسلم (18 عاماً) يحلم بدخول كلية الهندسة، تبرع أساتذته بتدريسه وزملائه مواد مرحلته الأخيرة عبر منصات الإنترنت. يعاني أحمد، كما الكثير من أمثاله، من ضعف شبكة الإنترنت، لكنه يعاني من مشكلة أخرى وهي عدم تفهّم والده للدراسة عبر الإنترنت فيقوم يومياً بإيقاف (راوتر) المنزل لاعتقاده بأن ابنه منشغل عن الدراسة بهاتفه المحمول وحاسوبه.
حاولنا إقناع أبي أحمد، الذي يعمل موظفاً في وزارة النقل، لكنه رفض بشدة، لا لأنه يكره ابنه، بل لأنه يجهل الإنترنت ويعتقد بأننا نكذب عليه.
لمَ لسنا كذلك؟
ما إن تطأ قدماك حدود بلد آخر حتى يبدأ السؤال الأزلي الذي يسأله العراقيون لأنفسهم وهو: لمَ لسنا كذلك؟
ما زلنا نستخدم تكنولوجيا الجيل الثالث، بالرغم من أن دول الجوار مثل تركيا والأردن والكويت والسعودية يستخدمون الجيل الرابع، ونحن نتشابه مع سوريا وإيران اللتين تسيطر الحكومات فيهما على استخدام الإنترنت وتضع شروطاً وعوائق أمام حرية التصفح وسرعة الإنترنت.
الأردن التي تعد أصغر من العراق مساحة، وعدد سكانها يعادل ثلث سكان العراق، إلا أن عائدات الإنترنت للدولة تقدر سنوياً بملياري دولار أمريكي.
أما وزارة الاتصالات في العراق فقد شنّت صولات “الصدمة” ضد مهربي الإنترنت. يقول الوزير نعيم الربيعي: تمكنت الوزارة في الوقت الحالي من تحصيل إيرادات مالية لتصبح وزارة ذات مردود مالي، في حين أن الشركات التابعة لوزارة الاتصالات كانت شركات خاسرة في السابق، لكن منذ أكثر من سنة ونصف أصبحت شركات ربحية تعتمد على إيراداتها، بحيث تم هذا العام تسديد قسم من الديون المترتبة عليها من قبل وزارة المالية، البالغة نحو 4 مليارات دينار عراقي، علماً أن الوزارة والشركات التابعة لها كانت مدينة بحدود 7 مليارات دينار لوزارة المالية.
بين القيل والقال… ضاع الحق والمال
عضو لجنة الخدمات والاتصالات في البرلمان العراقي النائب جاسم البخاتي صرّح لشبكة الإعلام العراقية قائلاً: وزارة الاتصالات حتى الآن لم تضع حلاً لإيقاف سرقة الإنترنت وبيعه لدول مجاورة، لأن وراء هذه الأزمة مجموعة من المشكلات من بينها تداخل صلاحيات هيئة الإعلام والاتصالات مع الوزارة، وحتى الآن لا نعلم من يقود الآخر، ولذلك لم ننتفع من الإنترنت مالياً لرفد موازنة الدولة العامة.
في الرابع من نيسان الفائت كشفت المنظمة العراقية لقياس جودة الاتصالات، في بيان لها نشرته وكالة الانباء العراقية (واع) ذكرت فيه أن “الخسائر الشهرية بسبب تهريب الإنترنت تتراوح بين 9 – 12 مليون دولار.”
ودعت المنظمة وزارة الاتصالات إلى “إنهاء عمليات التهريب وضبط دخول السعات إلى العراق من خلال بوابات الدولة الرسمية.”
واضافت في بيانها “أن الخسارة التي تقدر سنوياً بـ 120 مليون دولار أمريكي بسبب تهريب الإنترنت تعد مبلغاً منهوباً من موازنة الدولة العامة.”
في حين أكد مصدر موثوق “أن نسبة خسارة وزارة الاتصالات شهرياً بسبب تهريب الإنترنت والفساد الرقمي تبلغ80 مليون دولار شهرياً، أي قرابة المليار دولار سنوياً.”
أضاف المصدر: يستورد العراق 90 (لمدا)، واللمدا هي وحدة قياس تعادل 10 جيجا، سعر اللمدا الواحدة مليون دولار، يستفيد العراق من 10 لمدا فقط والباقي يتم تهريبه داخلياً وخارجياً.
من ناحية أخرى صرّح عضو لجنة الخدمات والاتصالات في البرلمان العراقي النائب جاسم البخاتي، في تصريحه لشبكة الإعلام العراقية، قائلاً: بالرغم من أن وزارة الاتصالات تعرف الجهات التي تهرب الإنترنت وحاولت القضاء على هذه العمليات، إلا أننا لم نلمس أي تغيير أو نتائج للقضاء على مافيات الفساد هذه.
في حين يرى السيد وزير الاتصالات نعيم الربيعي “أن نسبة 50% من الفساد داخل الوزارة قد قلّ، فقد حددنا في وزارة الاتصالات نسبة الفساد التي تتعلق بعمليات تهريب سعات الإنترنت عبر الأبراج والتجاوز على البنى التحتية، فضلاً عن الكوادر التي تتعامل مع القطاع الخاص دون علم الوزارة.”
تهريب داخل وتهريب خارج!
بحسب ذوي الاختصاص، فإن التهريب نوعان: الأول عبر بوابات المنافذ الحدودية التي تُمرر خلالها سعات إنترنت لا تسيطر عليها الدولة، أي لا تدخل للشبكة الرسمية.
أما التهريب الثاني فهو عن طريق إحداث ثقب في الكابل الضوئي وربطه بأسلاك شعرية دقيقة بصورة متقنة.
يذكر أن الطريقتين تحدثان في إقليم كردستان أو عبر حدوده، فالخارجي عن طريق المدن والقرى المتاخمة للإقليم في إيران والداخلي عن طريق كركوك، وقد ذكر ذلك أكثر من مصدر حكومي.
كما أكد المصدر الموثوق “أن الشركات الأهلية والخاصة في العراق هي المسيطر الرئيس على الإنترنت، وهي تستغل الفساد الإداري الحاصل وتكالب الأحزاب للسيطرة على الوزارات بتمرير صفقات تعزز استمرار عملها وسرقاتها دون عقاب.”
واضاف: في عام 2018 تمت عملية كبرى لإلقاء القبض على مدير شركة إيرثلنك في محافظة كركوك داخل موقعي إيرثلنك وشركة أي كيو، إذ ضبط متلبساً بتهريب 47 لمدا عبر مشروع عراق سيمفوني، لكن هل من الممكن أن نعرف ماذا حلّ بمدير الشركة؟ ولمَ هو اليوم حر طليق؟.. الفساد هو الجواب الأوحد لكل شيء.
ويواصل حديثه قائلاً: هي لا تسرق الإنترنت فقط، بل تستغل البنى التحتية من أبراج ومنظومات وضعتها الدولة لخدمة المواطن، لكن الدولة أساءت بتوقيعها عقوداً مالية تخدم الشركات لا المواطن.
نبقى هنا أمام معضلة كبيرة هي كيف ستحاسب الدولة سرقة ما لا نعرفه ولا نراه إلا عن طريق الخبراء.. بعد أن عجزت عن محاسبة سراق النفط والقمح والطماطم؟
يذكر أنه أثناء جائحة كورونا عززت وزارة الاتصالات سعات الإنترنت بنسبة 25% مجاناً لتخطي الجائحة، وبالرغم من ذلك ضعف الإنترنت طوال هذه الفترة في العراق، وظهر وزير الاتصالات في محطات التلفاز ليعلل ضعف الإنترنت قائلاً: قبل الوباء كان عدد المستخدمين لشبكة الإنترنت بحدود 11 مليون مستخدم، وأثناء الحظر ارتفع هذا العدد وتجاوز الـ 20 مليون مستخدم على هذه الشبكة، التي هي أساساً بحاجة إلى تطوير لأنها تعتمد على شبكات واي فاي الأبراج التي لا تلبي طموح المواطن العراقي، فضلاً عن أن أسعارها مرتفعة جداً، لذا منحنا تخفيضاً بحدود 25% من سعات الإنترنت مجانية تذهب إلى المواطن في هذه الفترة، وخفضنا أسعار الإنترنت وزدنا السعات، كما زودنا المستشفيات ومواقع الحجر الصحي كافة بالإنترنت مجاناً ويتراوح عددها بين 45 – 50 مركزاً للحجر الصحي.. ويبقى السؤال قائماً: مَن يسرق مَن؟

النسخة الألكترونية من العدد 363

“أون لآين -6-”