ذوالفقار يوسف /
استقل أحمد إحدى سيارات الأجرة “التكسي” بالرغم من أن نقوده محدودة، إلا أنه أجبر على ذلك بسبب أحد المدخنين الذي استقل سيارة “الكيّا” التي كان يركبها أحمد، فقد جلس بجانبه وأشعل سيكارته غير آبه بالآخرين، ملوثاً الجو داخل العجلة بدخانه القاتل وهو يقوم بنفث الأمراض والميكروبات.
وعلى الرغم من أن الصائم في شهر رمضان يعاني من أبسط أنواع الأذى، إلا أن عدم مبالاة البعض من المدخنين بالآخرين، جعل الصائمين هدفاً لمعاناة يومية في وسائل النقل والأماكن المغلقة.
سرطان متنقل
الدكتور (قيصر صاحب)، اختصاصي أمراض الجهاز التنفسي والحساسية والربو، يوضح: “على الرغم من التنوع في طرائق التدخين وأساليبه التي يُقال أنّ بعضها لا يسبب ضرراً على صحة الإنسان، إلّا أن التبغ بكافة أشكاله يشكل خطراً كبيراً على الصحة العامة، فمن الصعب التصديق بأن هناك مواد آمنة في أي منتج تبغي، ابتداءً من الأسيتون والقطران وصولاً إلى النيكوتين وأحادي أوكسيد الكربون. كل هذه المواد لا تسبب فقط الضرر للرئتين، بل تسبب مشاكل صحية في كافة أعضاء جسم الإنسان، بالإضافة إلى مشاكل صحية للأشخاص المحيطين بما يعرف بالتدخين السلبي.”
ويضيف: “يواجهُ الأشخاص الذين يُعانون من التدخين السّلبي أضراراً ليست بالقليلة، منها: الرّبو، والانسداد الرئوي، ولا يُمكن نسيان سرطان الرئة، والذي يؤدّي سنوياً إلى وفاةِ عدد كبيرٍ من البشر، وأن خطر الإصابة بهذا المرض تزداد بنسبة تصل إلى 30% إذا تواجد الإنسان أو عاش مع شخصٍ مُدخّن. ويُعدّ التدخين السلبي طريقاً للإصابة بأنواعٍ عديدة من السّرطان، كسرطان المثانة وسرطان الرأس، وسرطان الرقبة، وغيرها الكثير، وكذلك أمراض القلب والسكتات الدماغية، وكذلك الإجهاض وانخفاض وزن الأطفال، حيث تعدّ النِّساء الحوامل ممن يتعرّضن للتدخين السّلبي أكثرعرضةً لخطورة الإجهاض، كما أنّ التّدخين السّلبي يُساهم في خفض وزن الأطفال والأجنّة.”
رمضان فرصة لترك التدخين
مؤكداً: “يحتوي دخانُ عمليّة التدخين السّلبي على الكثير من المواد الكيمائية من مختلف الأنواع، حيثُ صُنّفت 69 مادّة منها على أنّها مُسرطنة، و250 مادّة على أنّها ضارّة، ومن العناصر التي تحتويها هذه المواد الكيماويّة السّامة، البنزين والزرنيخ والفورماليهايد، وأوكسيد الإثيلين، بالإضافة إلى مادةّ سامّة مشهورة تعرفُ بالبريليوم وغيرها الكثير، ولأجل ذلك قامت الوكالة الدّولية لبحوث السّرطان بتصنيف التّدخين السّلبي على أنّه مادة بشريّة مُسرطنة.
ويشير الدكتور قيصر الى”أنه من وجهة نظر الطب النفسي فإننا ننظر إلى الصوم وقدوم شهر رمضان على أنه فرصة جيدة وموسم هام يساعدنا في مواجهة الكثير من المشكلات، والمثال على ذلك حالة المدخنين الذين اعتادوا استهلاك السكائر بانتظام خلال الأيام العادية بمعدل زمني لا يزيد عن دقائق معدودة، بين إشعال سيكارة بعد أخرى حتى يتم الاحتفاظ بمستوى معين من مادة النيكوتين، وإن قدوم شهر الصيام والاضطرار إلى الامتناع عن التدخين على مدى ساعات النهار، هو فرصة للمدخنين الراغبين في الإقلاع لاتخاذ قرار التوقف نهائياً، ونلاحظ بالفعل أن نسبة نجاح الإقلاع عن التدخين في شهر رمضان أكبر من النسبة المعتادة في الشهور الأخرى.”
“منهاج الصالحين”
عن إباحة التدخين او تحريمه من الجانب الفقهي، يوضح لنا الأستاذ في الحوزة العلمية الشيخ عقيل كاظم الدراجي قائلاً: “إن مسالة تدخين التبغ من المسائل التي شغلت بال الكثير من فقهاء المسلمين (قدس الله سرهم)، منذ شيوعه وانتشاره في البلاد وحتى يومنا هذا، فقد بحث الفقهاء في هذه المسألة كثيراً، مابين محرّمٍ لأصل التدخين وبين مجوّز له، وبين من جعل تدخين التبغ مفطراً نهار شهر رمضان وبين من جعله مباحاً.
أما بخصوص رأي سماحة السيد السيستاني، حفظه الله، بمسألة التدخين في شهر رمضان المبارك، فقد عدّ سماحته في رسالته العلمية الموسومة (منهاج الصالحين)، أن التدخين من المفطرات وإليكم النص السادس : “تعمّد إدخال الغبار أو الدخان الغليظين في الحلق على الأحوط وجوباً، ولا بأس بغير الغليظ منهما وكذا بما يتعسر التحرّز عنه.”
إذ عدّ سماحته الدخان وقد خصّصه بـ(الغليظ) بحيث يصدق عليه أنه داخل إلى الأمعاء عبر الحلق، ولكن سماحته يرى في هذه المسألة احتياطاً وجوبياً، وهذا معناه بأن الفقيه يتوقف في هذه المسألة لعدم التوصل لدليل كافٍ بالمقام، وفي هذه الحالة يرجع إلى الأعلم بعده بهذه المسألة، واذا اتفق عدم القول بالجواز، يلزم المكلف بالالتزام بالفتوى، وهي عدم استنشاق الدخان في نهار رمضان المبارك.
سماحة السيد السيستاني (دام ظلّه) يحتاط وجوباً بكون التدخين مفطراً، فعلى المدخّن أن يضبط نفسه ويمتنع عن التدخين في صيام شهر رمضان، ولكن إذا أتى به لأيّ سبب كان، فإنّه يلزمه الإمساك بقية النهار برجاء المطلوبية، ثم القضاء على الأحوط وجوباً.
ويضيف الشيخ الدراجي “أن أغلب ومشهور الفقهاء ذهب أيضاً إلى كونه تجاهراً بالإفطار وهتكاً لحرمه الشهر الفضيل وأنه من المفطرات، وهنا يلزم على المكلف، إطلاعه على رأي مرجع تقليده بالمسألة لأنها محل خلاف كما هو واضح، والعمل وفق رأي مرجع تقليده، فإذا كان مذهب مرجع تقليده الاحتياط الوجوبي، وله حق الرجوع لفقيه آخر اذا كان أعلم، فحالة عدم وجود من يقول بالجواز لتمكن الرجوع اليه يلزم البقاء على عدم الجواز، واذا كان الاحتياط استحبابياً فلا يجب الالتزام به ويجوز للمكلف العمل بما يريد.”
الاسم الآخر للموت
يشير الدكتور (أحمد حسن الكرعاوي) اختصاصي الأمراض الصدرية والتنفسية الى أن “تأثير التدخين على الجهاز العصبي المركزي بسبب أحد أهم مكونات التبغ، وهو مخدر يسمى بالنيكوتين، حيث يصاب المدخن بسببه بعدة أمراض، منها مشكلة في التركيز، والعصبية المفرطة، وآلام في الرأس وزيادة الشهية والقلق والاكتئاب، وأيضاً مشاكل عديدة في النوم.”
الكرعاوي بيّن أن “للتدخين أضراره على جميع أنظمة القلب والأوعية الدموية، ما يؤدي الى إعاقة تدفق الدم على المدى البعيد، إذ يسبب التضيق المستمر إحداث تلف في الأوعية الدموية مسبباً مرضاً يدعى بـ”الشريان المحيطي” وهو من مضاعفات مرض تصلب الشرايين، يؤدي ذلك الى ارتفاع ضغط الدم، وازدياد فرصة الإصابة بجلطات الدم والسكتة الدماغية.”
المدخّن السلبي
السيد حسنين جواد (30 عاماً) يطلّ علينا من هذا الجانب فيقول: “يعدّ التدخين من المظاهر السلبية جداً في الحياة اليومية، وأخص بالذكر أيام شهر رمضان المبارك إذ نلاحظ، من خلال اختلاطنا في المجتمع، أن هناك عدداً كبيراً من المدخنين الذين لا يراعون حقوق الآخرين، خصوصاً في الأماكن المغلقة، وقد مررت بأكثر من موقف من هذه المعاناة التي كنت فيها مدخناً سلبياً، عندما استقللت إحدى وسائل النقل (الكيّا) وكانت الأجواء حارة آنذاك، ركب أحد الأفراد وأشعل سيكارته بلا استئذان او مبالاة بمن حوله من الصائمين وغير المدخنين، ما جعل الجميع ينزعجون.”
يشير جواد الى “أننا في شهر الطاعة والصيام، ويعد التدخين في مثل هذه الأماكن انتهاكاً لحقوق الناس، خصوصاً في الأماكن التي يوجد فيها عامة الناس، إذ ترى المريض ومن لديه تحسس بسبب دخان السكائر، إنما نحن شعب غير ملتزم بالسلوك الحسن ومراعاة الآخرين، ترانا في كل يوم نواجه مثل هذه الظاهرة السلبية، والأفعال التي تنتهك حقوق الإنسان، لهذا يجب أن تسنّ قوانين لمحاسبة المخالفين، وعليه نأمل من الجهات المعنية أن تنظم حملات توعوية وإعلانات إرشادية للحد من هذه الظاهرة السلبية.”