التعداد السكاني.. العراق يتجه نحو التنمية والتطوّر

ريا عاصي

أعلن المجلس الأعلى للسكان فرض حظر التجوال، في عموم محافظات العراق، يومي 20 و21 من شهر تشرين الثاني الحالي للعام 2024، وذلك لإجراء التعداد العام للسكان، وتسهيل عمل الفرق التابعة لوزارة التخطيط. ويُعد هذا الإحصاء هو الأول بعد انقطاع دام 27 عاماً، وهو عملية مُكْلفة تتطلب موازنة دقيقة وتخطيطاً دقيقاً وأمناً واستقراراً يتيحان للجهات المختصة العمل بدقة وشمولية.

ثروة البيانات
إن الإحصاء العددي الكامل للسكان هو أحد أوليات الخطوات نحو مسيرة التنمية والتطور، إذ تتيح ثروة البيانات التي تنتج عنه، الخامة الأولى التي يجري بعدها وضع خطط التنمية والتطور الاقتصادي والمعيشي والصحي للمواطنين، وكذلك تُمكن السلطات من معرفة كيفية التصرف أثناء الكوارث والمخاطر التي تحدث في منطقة معينة، ما يقلل من الخسائر التي يمكن أن تحدث.
اعتادت الدول المستقرة أن تجري التعداد مرة كل عقد، ما أتاح لكوادر هذه الدول الاستعداد ومعرفة التحديات وكيفية مواجهتها بعد إجراء الإحصاء، كما أن تطور وتقدم التكنولوجيا والأجهزة والنظم المحاسبية جعل من مهمة الباحث أو موظف التعداد في تلك الدول، أسهل من قرينه العراقي، الذي لم يتسن له إجراء تعداد كامل وشامل مثل الذي تجريه الحكومة اليوم.
لذا أعدت وزارة التخطيط، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، برامج ودورات تدريبية أهلت خلالها مجموعة من مندوبي التعداد، وزودتهم بأجهزة لوحية لجمع البيانات. وحرصت الوزارة، بالتعاون مع بلديات المحافظات، على إجراء التدابير اللازمة من أجل ضمان وصول مندوبي الإحصاء إلى كل الأسر العراقية في كل الأقضية والنواحي والبلدات والقرى النائية.
مواجهة التحديات
واجه العالم -قبل سنوات- كارثة وباء كوفيد 19، الذي انتشر في أرجاء الكرة الأرضية بشكل سريع ، ولا سيما في البلدان المتقدمة، وكانت مواجهة الخطر أسهل وأيسر في تلك الدول، عكس ما حدث في البلدان التي تواجه الحروب والصراعات والفقر والتخلف التكنلوجي.
ومن أجل تلافي هذه المخاطر والسيطرة عليها، كان من الضروري إجراء التعداد السكاني في العراق حالياً، خصوصاً أننا واجهنا مشكلات سياسية واجتماعية واقتصادية جمة وكبيرة، أثرت على شكل مدننا وقرانا، التي عانت بين نزوح وحروب وصراعات وتفشي الإرهاب.
كما أن العراق يواجه منذ فترة مشكلات بيئية، مثل خطر الجفاف والتصحر وانحسار المساحات الخضر، كل هذه المعطيات جعلت من التعداد السكاني ضرورة ملحة لمعرفة مدى ملاءمة مصادر العراق وحجم نمو السكان فيه، وكم هي أعداد النازحين فيه، والفارين من مدنهم وقراهم، أو ما خلفته الحروب من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو ممن يعانون أمراضاً مزمنة، إضافة لإتاحته معرفة الظروف المعيشية للمواطنين، وغيرها من التفاصيل التي ستجعلنا على دراية تامة بحقيقة المخاطر التي نواجهها، واقتراح الحلول التي من الممكن وضعها حسب خطط وستراتيجيات تحافظ على ثروات البلد وتساعد في تقدمه وتطوره.
1957…1977..1997….2024
يُعد تعداد 1957 أشهر التعدادات في العراق، ونتيجة لإجرائه انطلقت الخطة الخمسية ذائعة الصيت آنذاك، التي أسهمت في إنشاء أغلب البنى التحتية للبلاد من ماء وكهرباء ومعامل ومدارس ومستشفيات وطرق وجسور، كما استغل النظام المباد هذا التعداد حين منع أي فرد عراقي من خارج العاصمة من شراء عقار أو امتلاك بيت فيها، إلا إذا كان اسمه مُدرجاً في بغداد عام 1957، ما حرم أجيالاً عديدة من التملك في المدن، التي نشأت وكبرت في بغداد.
أما تعداد عام 1977، فنتج عنه استحداث الطرق السريعة والمنشآت والمدارس وغيرها من المؤسسات التي جرى استحداثها وتطويرها حسب النمو السكاني وموارد البلد آنذاك.
لا يخفى على الجميع أن الحروب المتعاقبة وجنون عظمة السلطة الذي انتاب الطاغية، أدخلانا في نفق مظلم، ما جعل تعداد عام 1997سيئ الصيت، تعداداً سياسياً كانت الغاية منه إذلال الشعب العراقي بحصة تموينية مسروقة المفردات، لصالح التسليح اللامجدي لأنظمته القمعية.
أما اليوم، وعلى الرغم من تفشي الفساد في بعض مؤسسات الدولة، الذي أسهم في نهب مواردها، يتطلع العراقيون من خلال التعداد السكاني ونتائجه إلى غد مشرق باسم، إذ يلتزم العراق، مع 155 بلداً آخر، بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، ضمن خطة التنمية 2030 الهادفة إلى دراسة موارد البلد، وكيفية وضع خطط للحفاظ على البيئة ومصادر الطاقة والماء، ومواجهة الكوارث البيئية في حال حدوثها.
وتهدف خطة التنمية 2030 القضاء على الفقر والجوع، وتوفير التعليم والصحة، والمياه النقية والحفاظ عليها، وإنتاج طاقة نظيفة صديقة للبيئة، وتوفير فرص عمل لائقة، وإنشاء وتوسيع المدن بطرق حديثة لا تؤثر على المناخ والبيئة في البلد، والحفاظ على الموارد الطبيعية وعدم هدرها، والتخلص من استهلاك المواد المضرة بالصحة مثل البلاستك، والاستعاضة عن الوقود المحروق بوقود طبيعي صحي، وغيرها من الأهداف التي تنمي المجتمعات وتطورها.