#خليك_بالبيت
علي غني /
ما زال التعليم المسائي في الجامعات، الذي انطلق منذ بداية التسعينيات من هذا القرن محل جدل بين من يقرّ بجدواه، وبين المطالبين بإغلاقه، وهذا الجدل لم يستطع حسمه أيٌّ من الفريقين، فهل يمكن للجامعات الآن حسمه؟ وما الحديث الذي تطرق له الطلبة والاساتذة ورؤساء الجامعات والعمداء في الكليات الحكومية والأهلية؟
يقول فريق من المتخصصين: إن أغلب خريجي المسائي يفتقرون إلى الكفاية العلمية بحسب رؤيتهم، لكن على النقيض من هذا الفريق هناك فريق آخر يعدّه فرصة مناسبة لتحصيل العلم للطلبة الذين فاتتهم سنوات الدراسة لظروف قاهرة، كما يسهم أيضا بتحسين الراتب والترقية بالنسبة للموظفين عند حصولهم على الشهادة، وهو كذلك فرصة لزيادة الخبرة في مجال التخصص، قد لا توفرها سوى المؤسّسة الجامعية في العراق.
غير مستقر!
الطالب محسن قاسم من الجامعة المستنصرية يرى أنّ التعليم المسائي يفتقر إلى وجود المعيّنين على الملاك الدائم من الاساتذة، لذلك فإنّنا في الكثير من الأحايين نفاجأ باستبدال أساتذة بعض المواد، ومن ثم نواجه صعوبة في فهم المنهج المقرر، لكن الأعم منهم يتعاطفون معنا، كون أغلبنا يمارس وظيفة حكومية.
في حين يرى زميله حسن محمود في جامعة أخرى أنّ التعليم المسائي في الأقسام العلمية يفتقر إلى المستلزمات العلمية التي يحتاجها الطالب في دراسته، لذلك فإنّ أغلب الطلبة يتّجهون إلى الفروع الإنسانية؛ فهي لا تتطلب أجهزة علمية أو مختبرات، كما أنَّ الطالب يمكنه تعويض المحاضرات عند الغياب، لأنّه يستطيع فهمها بسهولة من زميله الآخر، كونها مادة إنشائية وليستْ علمية حتى تحتاج إلى تطبيق في دوائر أو مستشفيات .
ويرى الطالب أسعد رحيم من الجامعة العراقية أن الدراسة المسائية وُجدت للموظفين أو الذين يحتاجون الشهادة للعمل في القطاع الخاص، وذلك من أجل تطوير مستواهم العلمي في المجال الذين يعملون فيه، لذلك فإنَّ الأغلبية يتجهون إلى اختصاص معين يساعدهم في المنافسة ونيل الدرجة الإدارية أو القيادية في حياتهم المهنية، وهناك من يتفوّق على طلبة الدراسة الصباحية لامتلاكه الرغبة الحقيقية في الدراسة إلى جانب وجود الهدف.
كثرة أعداد المتقدّمين
الدكتورة إرادة الجبوري معاون عميد كلية الإعلام للشؤون العلمية في جامعة بغداد، كانت حاضرة في نقاشنا عن جدواه للأفراد أو المؤسسات فقد حازت على خبرة وعاصرت دورات عديدة لطلبته؛ إذ قالت: إنَّه نوع مهم من التعليم ويحقق أهدافاً تخصّ المستفيدين منه، سواء أكانت مؤسّسات أم أفراداً، فبعض تلك المؤسّسات يصب في صالحها قبول أفرادها بهذا التعليم لتطوير عمل موظفيها، وإكسابهم مهارات ومعارف، أمّا على صعيد الأفراد فبعض هؤلاء لم تسنح لهم الظروف لمواصلة الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية، والبعض الاخر لديه رغبة لدراسة حقل معرفي معين لأسباب تتعلّق برغبة أو دخول مجال عمل جديد. هذا بنحو عام، أمّا بالنسبة لكليتنا فهناك نمطان من الإعلاميين، بعضهم يعمل في حقل الإعلام ولم يحصل على شهادة الإعلام وهناك من يطمح لتطوير نفسه.
وأضافت: كلّنا يعرف أنَّ الدراسات المسائية انطلقت في التسعينيات فكانت الدراسة تمتد طويلاً حتى أوقات متأخرة من المساء، وهذا يسمح لموظفي الدولة بمغادرة أعمالهم والتوجه للجامعات بما لا يؤثر في عمله الوظيفي، وأيضاً يمكنه الحصول على الوقت الكافي من الدراسة، لكن الآن وبسبب الظروف الأمنية ومنذ عام 2003 حتى الآن لم تعد الدراسات المسائية بالمستوى الذي كانت عليه من قبل، مثلا اتكلّم عن الإعلام فعندما يحضر الطالب لمدة ثلاث أو أربع ساعات، كيف يتسنّى له متابعة الدروس التطبيقية أو العملية؟ هذه مشكلة حقيقية .
وكشفت الجبوري عن أنّ الدراسات المسائية عندنا في الكلية فتحت أكثر من مرّة لكنّها عُلِّقتْ أيضاً، وجرى فتحها العام الماضي بعد بضع سنوات من التعليق، وعُلِّقتْ الدراسة من جديد، ويعود ذلك لعدم جدواها الاقتصادية كون عدد المتقدمين لم يكن مشجعا على مواصلة الدراسة إلى جانب وجود رقابة جدية عندنا مثلها مثل الدراسة الصباحية، فيفضّل الطالب التَّوجه للكليات التي تتساهل معه .
سألنا الجبوري: برأيك لماذا التّصوّر السلبي عند العديد من الناس؟ فأجابت: الحقيقة أنّ هذه الصورة السلبية عن التعليم المسائي تكوَّنت بسبب الأعداد الكبيرة المقبولة في الدراسة المسائية في الكليات الحكومية والأهلية، فضلا عن معايير المعدل التي غالبا ما تكون أقل من الدراسة الصباحية إلى جانب ضعف متابعة بعض الكليات للمنتسبين في الدراسات المسائية، لا سيما أولئك الذين لا يستطيعون الحضور لأسباب تتعلّق بأعمالهم ويكتفون بحضور الامتحانات، كما تتحمّل بعض المؤسّسات مسؤولية عدم متابعة الطلاب وتساهلها في اتخاذ قرارات حازمة في ما يتعلّق بانتظام الطلبة في الدراسة .
مشاريع ناجحة
بينما أكد الدكتور سعيد عبد الهادي/أستاذ في جامعة دجلة التي لديها أكثر من ألف و200 طالب في الدراسة المسائية أنّ طلبة التعليم المسائي في الجامعات العراقية هم غالبيتهم من موظفي الدولة والقطاع الخاص، وهذا يعني أن التحاقهم بهذا التعليم من أجل الإفادة منه، لذلك تجد أن تجربتهم الحياتية ناضجة، ومسعاهم في الغالب ليس الشهادة، وإنّما من أجل التحصيل العلمي، لذلك فإنّنا نرى بعض الأقسام في الدراسة المسائية أكثر نشاطاً من الدراسة الصباحية، وأكثر تفاعلاً في الدروس، لا سيما في الأقسام العلمية، ولدينا طلبة أوائل ولديهم بحوث متميّزة في مشاريع التخرج العلمية، وليس غريبا أن يقوم أحد الطلبة باختراع طائرة مسيّرة أو روبوت مفكّك للألغام في جامعتنا .
فرصة حقيقية
وشرح لنا الدكتور كاظم عبد الامير رئيس جامعة البيان الذي اصطحبنا في جولة على عدة أقسام بمعية مدير إعلامه الدكتور عامر العامري أنّ جدوى التعليم المسائي تكمن في الفرصة التي يمنحها لموظفي الدولة والطموحين لغرض إكمال دراستهم وتحسين وضعهم وزيادة كفايتهم العلمية والاطلاع على مستويات الاكتشافات العلمية الحديثة إلى جانب تطوير الشخص لذاته، لذلك فمن حيث المبدأ الفكرة صحيحة، ومن ناحية أخرى فإنّها تنسجم مع دوام الموظفين الذين لا تسمح ظروفهم بالدوام الصباحي وبنحو ينسجم مع مهمة أداء المحاضرات.
ويردف وهو يشير إلى عدد الطلبة الدارسين في الجامعة في الورقة التي أمامه ويبلغ أكثر من (200) طالب: هناك فارق كبير بين الكليات الإنسانية والعلمية، فالكليات الإنسانية تستطيع أن تعتمد المصادر بنحو نظري، ولكنّ الكليات العلمية تحتاج إضافة إلى ذلك الممارسة العلمية في المختبرات التي تكسبهم المهارات المناسبة في عملهم.
وأؤكد لك أنّ التعليم المسائي في الكليات الأهلية هو نفسه في الكليات الحكومية باستثناء تغيير وقت الدوام، وجميع القوانين والأنظمة في الدراسة الصباحية تطبّق على الدراسة المسائية.
وتناغم مع آرائه الدكتور ضياء عبد الحسين عبد الامير عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة ذاتها، مضيفا: الدراسة المسائية تفتح عادة لغرض استيعاب الطلبة غير المتفرغين في الدوام الصباحي لارتباطهم بدوائر أو أعمال خاصة، ولا تختلف مناهج الدراسة المسائية عن الدراسة الصباحية سوى في توقيت المحاضرات، كما أنّهما يشتركان بأداء الامتحانات النهائية بنفس الوقت والمنهج المقرّر، هذا يعني عدم وجود أي فوارق في مستوى الخريجين في الدراستين بل يلاحظ أن هناك اندفاعا كبيرا من طلبة المسائي في التّفوق رغم انشغالهم أو التزاماتهم الوظيفية، وتشير النتائج الامتحانية في كليتنا إلى تفوقهم والتزامهم في الدوام.
صيدلاني قانوني؟!
وليس غريبا أن تجد أستاذا يتخصّص في الصيدلة ويشغل منصبا إدارياً ويجلس طالبا في مقاعد القانون، هذا ما وجدناه عند الدكتور حسين صكبان، معاون العميد في كلية الصيدلة في جامعة البيان، المنتظم طالباً في المرحلة الثالثة في القانون، يقول: إنّ اختياري دراسة القانون لتطوير منصبي الإداري في الكلية حتى يساعدني هذا الأمر على اتخاذ القرارات الصحيحة والتعامل الدقيق في حل المشكلات التي تعترض طريقنا بنحو صحيح ضمن الصيغ القانونية المعمول بها ضمن قانون الخدمة الجامعية أو الكليات الأهلية.
وأضاف: أنا مقتنع أن المجتمع سيغيّر وجهة نظره عن الدراسة المسائية لأنَّ حامل الشهادة في التعليم المسائي يتمتّع بالحقوق ذاتها التي لحامل الشهادة في التعليم الصباحي ضمن قوانين الدولة العراقية، وأؤكد لك أنّ الدراسة المسائية مشمولة بنظام امتحانات ضمن تقويم جامعي مقر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق .
خطوة صحيحة
وفي خطوة على الطريق الصحيح “تمّ توجيه كتاب رسمي وعاجل إلى الجامعات كافة بخصوص قرار وزير التعليم العالي الدكتور قصي السهيل ومصادقة هيئة الرأي في الوزارة الذي ينص على فصل ملاك الصباحي عن المسائي في الجامعات لإتاحة الفرصة أمام حملة الشهادات العليا غير المعيّنين”، فضلا عن أنّها ستسهم في استقرار الملاك التعليمي للجامعات والكليات التي تتوفر فيها دراسات مسائية، والتي غالبا ما تعاني من تغيير الاساتذة، وتؤدي إلى إرباك الدراسات المسائية في أغلب الكليات الحكومية أو الأهلية التي تفتتح فيها دراسات مسائية.
النسخة الألكترونية من العدد 360
“أون لآين -3-”