التقليد الأعمى..استهواء أم إحساس بفقدان الهوية

أ.م.د إيمان حسن الجنابي/
يتعرض المجتمع العربي، كغيره من المجتمعات، الى تغيرات متسارعة من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. كما يتعرض الى غزو فكري وثقافي نتيجة للثورة المعلوماتية والانفتاح على العالم الخارجي والإقبال على أنماط حياة المجتمعات الأخرى.
وقد تأثر المجتمع العراقي كذلك ببعض الظواهر والمشكلات التي شكلت خطراً على روح المجتمع وأصالته، ما ينعكس على منظومة القيم والسلوك لديه، فقد ظهرت سلوكيات غريبة لدى المراهقين العراقيين تمثل حالة من التمرد على الثقافة الأخلاقية والمنظومة القيمية التي اكتسبوها من الأسرة والمدرسة والمجتمع، والاتجاه لمحاكاة الغرب وتقليدهم والتشبه بهم. والتقليد الأعمى حالة سلبية في الغالب إذ يكون ضاراً وغير مجدٍ للفرد المقلد او للمجتمع الذي ينتمي إليه، قد يقلب الموازين ويهدم النفوس والعقول ويفقد الفرد هيبته وهويته وشخصيته ويسلبه إرادته.
التقليد الأعمى نوعان: فإما أن يكون إيجابياً أو سلبياً، والمقصود بالتقليد الأعمى أنه يمثل تقليداً أجوفَ ضاراً، وظهر التقليد الأعمى بصورة واضحة لدى البعض من المراهقين في الآونة الأخيرة، كتقليد الفرقة الغنائية الكورية (بي تي أس) في قصات الشعر وألوان الملابس والأكسسوارات والحركات الإيقاعية الراقصة، وهذه الفرقة مكونة من سبعة شباب كوريين، وقد ارتفعت شعبية هذه الفرقة في مختلف أنحاء العالم ومنها مجتمعنا العراقي، وبما أن المراهقين هم جيل المستقبل، فإن اتباعهم هذا السلوك السلبي يمثل التقليد الأعمى الذي يدل على الشعور بالنقص وحاجتهم الى الاحتواء والرعاية والحب، لذا يلجأ المراهق الى تقليد كل شيء بما في ذلك الملابس والطعام والعادات واللغة، إذ تعتمد الفرقة الإبهار الحركي لأعضائها على المسرح وفي عروضها الاستعراضية، ومن خلال أغنياتها تخاطب مشاعر جيل المراهقين والمراهقات في كل مكان في العالم، وتلامس أحاسيسهم وهموم المراهقين والحديث عن أحزانهم وإحباطاتهم وآمالهم وأحلامهم. وبرغم كون المراهقين لا يعرفون معاني كلمات أغنياتهم لأنها باللغة الكورية، لكن مع ذلك يزداد تفاعلهم مع الفرقة، إذ يصل الى حد الصراخ والبكاء، وهذا ما أظهرته الكثير من الدراسات الميدانية وما أظهرته مواقع التواصل الاجتماعي.
كل هذا الانجذاب للفرقة من قبل المراهقين بالذات وشعورهم وأحساسهم بالضياع ومجهولية المستقبل لا يمكن تفسيره، وهو أن لا أحد يشعر بهم، إذ أنهم يعيشون مرحلة تناقض بين نوعين من المفاهيم: أولهما التقليدية المرتبطة بالعادات والتقاليد التي تربوا ونشأوا عليها، وثانيهما المفاهيم الجديدة البعيدة كل البعد عن مفاهيمهم، المرتبطة بالتطوير والتجديد وتغيير النظرة الى الأمور كافة، إذ أن فقدان المراهقين للهوية الإيجابية يجعلهم يسلكون سلوكيات لا تعبر عن ثقافتهم وقيم مجتمعهم الأخلاقية التي ينحدرون منها، إذ أن الاستهواء له أكثر من سبب، وقد ترتبط هذه الأسباب بكل ما سبق الحديث عنه، لكننا هنا نؤكد على تأثير جماعة الأصدقاء في الاستهواء الجمعي مع عدم إهمال بقية الأسباب والعوامل الأخرى، إذ تؤثر جماعة الأقران على شخصية المراهقين وتقليدهم لغيرهم على الرغم من اختلاف الثقافة، لذا يرتبط الاستهواء بالتقليد الأعمى، فكل فكرة منتقلة عن طريق الاستهواء يجري تنفيذها سلوكياً عن طريق التقليد.
ويعبّر الاستهواء عن وجود استعداد أو ميل عام لدى العديد من المراهقين والمراهقات لسرعة التصديق والتسليم بأفكار وآراء وتوجيهات ومعتقدات الآخرين بصورة ينعدم معها التفكير الناقد والتبصر في الأمور المختلفة، فأفكار الفرد عن ذاته وثقته في قدرته الذاتية التي تعبر عن إدراك الفرد لقدراته في التعامل مع موقف ما، يعدان عاملين مهمين في الاستهواء، فتقدير الفرد لذاته وثقته في قدراته ينعكسان على سلوكه، كما يعدان من العوامل الداخلية التي تؤثر في القابلية للاستهواء, وهذا ما أكدته بعض الدراسات، كدراسة كيم وراي وجوليان:
،(JO 2012)ودراسة جو (Kim &Ray &Julian2008)
ولو أن هؤلاء فكروا قليلاً لأدركوا أن سلوكهم لا يعبر إلا عن شيء من التمرد على قيم وعادات وتقاليد وأخلاقيات المجتمع، إذ يسعى كل منهم الى إثبات وجوده والإحساس بأنه متميز عن الآخرين وله شخصيته المستقلة.
لذا فإن على التربويين كافة القيام بتوجيه وإرشاد المراهقين الذين يظهر لديهم هذا السلوك السلبي، وتسليط الضوء على طرق العلاج وأساليب الوقاية، وتقوية الوازع الديني لديهم، والتعامل السليم مع فئة المراهقين، ومراقبة سلوكهم ومعرفة أصدقائهم ومن أية بيئة انحدروا، والتعامل معهم بلين وحزم في نفس الوقت، ونشر الوعي والثقافة بينهم، وإبعادهم قدر الإمكان عن الجلوس لفترات طويلة أمام الشاشات، وإرشادهم الى كيفية التعامل مع التكنلوجيا الحديثة ومع وسائل التواصل الاجتماعي لنضمن في المستقبل أفراداً أسوياء ينفعون ذاتهم وينفعون مجتمعهم.