ذوالفقار يوسف/
هناك “ملكة” تعيش في وقتنا الحاضر، لم تعظ شعبها بشيء سوى الجهل، تتقلب على عرشها مستغلة إياهم بالوهم ولم تعطهم غير الأكاذيب. ومع أنها ألد أعدائهم ، إلا أنها استطاعت أن تتغلغل في نفوسهم، وأن تحافظ على بريق عرشها يوماً بعد يوم، بعد أن كان الشر الأقصى شذرةً على تاجها المرصّع بالحقد.. نعم إنها الإشاعة.
فالبروباجندا مصطلح في وسائل الإعلام تقوم بالتعرض مباشرةً للقضية وتسعى لتحويرها وتغييرها، وتعمل على صياغتها بالشكل واللغة مستخدمة سياستها، وبعد ذلك بثها بين الناس الذين يتقبلونها لاشعورياً على المدى الطويل.”
هذا ما أوضحه لنا) بحر جاسم) ، أحد التقنيين في مجموعة )التقنية من اجل السلام)، مضيفاً: “بداية الفكرة أتت مع بداية ظهور تنظيم داعش الإرهابي، والفكر المتطرف، ومع أننا نعرف بأن هناك مدناً قد سقطت إعلامياً قبل أن تسقط عسكرياً، فـ”بروباجندا” التنظيم كانت في أوجها آنذاك، وكل فكرة او منشور ملفق، كانهزام الجيش العراقي، وعدد ضحاياهم المزيف، كانت تستعمل من قبل صفحات داعشية وهمية، إلا أننا، كأشخاص تقنيين، كان لابد أن يكون لنا دور في هذه المعركة، ألا وهو كشف زيف الإرهاب من خلال صفحتنا، التي وصل عدد معجبيها الى اكثر من “400” الف معجب ومتابع، حيث قمنا من خلالها بتكذيب كل الأخبار المزيفة والتصريحات المشكوك بصحتها، بمجهود لأكثر من” 40″ شخصاً من المهتمين بالتكنولوجيا، حيث استطعنا أن نعمل طوعياً في أوقات فراغنا، لإيصال مايمكن إيصاله للجمهور العراقي الذي هيمنت الإشاعات والإكاذيب على حياتهم اليومية.
تكنولوجيا السلام
كان لابد لنا أن نجد منفذاً او جسراً يؤدي بنا الى فضح الأكاذيب، وبعد مجهود كبير وجدنا الحل، وهو عمل صفحة في مواقع التواصل الاجتماعي وبالتحديد “الفيس بوك”، أسميناها “التقنية من أجل السلام” تدير مجهودنا، مستخدمين فيها مانعرفه من تكنولوجيا وتقنيات حديثة، من أجل إعلاء كلمة السلام في ارض الوطن، وطموحنا في كسب ثقة الناس الذين دمرهم التشكيك والزيف وانعدام المصداقية، ومبادرتنا كانت سعياً لكشف الحقائق، ومع هذا فإن العوائق في بادئ الامر كانت كثيرة، أبسطها النقد اللاذع من بعض المواطنين، فبعضهم يقول أنتم تعملون وفق مبدأ “خالف تعرف”، وقد وصل ذلك الى حد الشتم احياناً، لشدة إعجابهم بالصفحات التي تنشر الاكاذيب، مع مهمتنا في تكذيبها، التي كانت غير مقبولة لهم ولا تخدم مصالحهم وتطلعاتهم.
عوائق مستمرة
“مهددون دائما”، كلمات يرددها “بحر جاسم”، موضحاً: “رغم أننا قد ثبتنا أنفسنا ككاشفين للحقيقة، وكجهة تبحث عن الخبر المزيف ومن ثم تكذيبه وتصحيحه أيضاً، نزود الجمهور بالمصادر الموثوقة التي يكون باستطاعتهم البحث عنها، او أن يدققوا بمصداقيتها بالبحث في المصادر التي نرفقها مع كل تصحيح لخبر او منشور، وبسهولة تامة، إلا أننا قد فوجئنا، لشديد الأسف، عند تكذيبنا لكل خبر، أننا قد تمت محاربتنا بصورة كبيرة من قبل صفحات ومجموعات، متهميننا بالكذب وخداع الناس، وبأننا مدعومون من قبل جهات مشكوك بأمرها، ومن ثم عمل بلاغات على الصفحة لإغلاقها، إضافة الى التهديدات التي كانت تأتينا من أشخاص وصفحات وشركات، محاولين معرفة أماكن تواجدنا وأسمائنا الحقيقية، محاولين بث الذعر في نفوسنا، حتى وصل الأمر الى التهديد بمقاضاتنا من قبل بعض الشركات ، وأحد أمثلة هذه الشركات، هي شريك كبير لشركة “كوكل” في العراق، وبعد البحث والتقصي وجدنا بأنها صفحة وهمية يديرها أحد الأشخاص.
تقنيّون غرباء!!
هناك من يحمل العراق على أكتافه، وكما يحدثنا أحد التقنيين بحرقة معللاً عدم تواجده داخل البلد لأسباب أمنية يقول: “نحن نعمل بشكل طوعي، نعمل لسلام العراق، غير أننا جميعاً لانسكن فيه، بسبب التهديدات الشخصية والسياسية، مقسمين عملنا بشكل احترافي، فالبعض مختص بالتحقيق، والآخر بالترجمة، ولدينا فريق تواصل عبر وسائل الإعلام، والبعض الآخر مهتم بالبحث عن مصداقية الوسائط المنشورة كالفيديو والصور والكتب الرسمية المشكوك بصحتها”، مضيفاً “نحن نسكن في دول عربية وأوروبية، ومع هذا لن تمنعنا المسافات عن العطاء من خلال خبرتنا مصلحة للعراق وشعبه.”
اعتقال مزيف
إن مهام عمل الصفحة هو نشر الحقيقة أينما كانت، وبالصورة الصحيحة التي قد تنقذ حياة إنسان، فقد يتم نشر أكذوبة او إشاعة تهدم حياة شخص ما، يطل علينا من هذا الإطار أحد التقنيين حيث يقول: “نشرت في أحد الأيام صورة لشخص ملتحٍ يسكن مدينة الموصل، وكان الخبر بأنه ينتمي الى تنظيم داعش الإرهابي ويجب الحذر منه وعلى الجهات الأمنية إلقاء القبض عليه، بعد عدة أيام تم احتجازه، ما جعلنا نبحث في مصداقية الخبر، إلا أننا فوجئنا بأن الصورة قد نشرت، قبل هذا، باسم مغاير وبعدة تفاصيل ووقت مغاير لما تم نشره، ومن خلال تكذيبنا للمنشور من خلال صفحتنا، قامت عائلة الشخص بأخذ المعلومات للجهات الأمنية، ومن ثم تم الإفراج عنه، المفرح بالأمر هو شكر عائلة الشخص لما قمنا به، وهذا الدافع المعنوي والحافز المهم، هو مايجعلنا نستمر بعطائنا خلال هاتين السنتين.”
سلاحنا الحقيقة
لم يكن عمل صفحة “التقنية من أجل السلام” في بادئ الأمر هو فقط البحث والتقصي عن الحقيقة، على حد قول بحر جاسم، فقد كنا نعمل على غلق أكثر من 70 حساباً داعشياً وهمياً يومياً على “تويتر”، يقوم بنشر الأكاذيب، فقد كان هناك فريق خاص يعمل على البحث والتقصي على حسابات ذيول داعش الإرهابي، وعلى الصفحات التي تسانده، ومن ثم عمل بلاغات وغلق هذه الصفحات نهائياً، وبالرغم من التهديدات التي كانت تأتينا من هذه الحسابات، نشأت المجموعة في الحرب على مثل هكذا مجموعات، فحبنا للوطن كان فوق كل اعتبار، وكل من يشاركنا هذا الحب هو جزء من سعينا نحو تحقيق النصر، بأي اداة او سلاح نستطيع من خلاله كسر شوكة الإرهاب.
طموحنا الدقّة
لعائلتنا في التقنية طموح بأن تكبر، وان تأخذ حيزها الكبير في المجتمع، وأن تقدم للجمهور والمتابع صورة حقيقية عن عملنا الطوعي، إلا أن طموحنا الأكبر هو الدقة في نقل الخبر، وبحِرفيّة أكبر، بسبب أن المسؤولية كبيرة على عاتقنا، فالناس تنتظر منا أن نقدم لهم الحقيقة، وهذا من أصعب الأعمال والمهام، وأن نحافظ على حياديتنا، وبثقتهم التي اكتسبناها من خلال هاتين السنتين بتركيز أكبر، وأن نزيد من متابعينا فقط لتوصيل الحقيقة الى طالبيها، فعملنا من أجل سلام لعراق خال من نشر الطائفية والتعصب والإرهاب.
“تنتهي ويانا”
شعار الصفحة الذي يرمز لنهاية الأكاذيب والتلفيق، هذا ما ابتدأ به الحديث أحد أعضاء المجموعة، حيث قال: قمنا بتصميم وسائل وبرامج إلكترونية، خاصة بالهواتف الإلكترونية لنظامي”الأندرويد والأبل”، عملها هو الاطلاع على الحقيقة بشكل أسهل وأسرع، وليس هذا فقط، وإنما جعلنا هنالك روابط إلكترونية يستطيع الجمهور والمهتم من خلالها التعلم بشكل بسيط وسهل، وكيفية إيجاد المنشورات والأخبار المزيفة عن طريق البحث عن الفيديو المشكوك في صحته، ومواقع تقوم بتحليل الصور المفبركة والمعدل عليها ببرامج التصميم، وايضاً هناك مواقع وأدوات تقوم بمعرفة صحة التصريحات والكتب الرسمية والترجمات المزيفة، وإضافة الى ذلك نقوم ايضاً بمعرفة أماكن الانفجارات والحوادث بصورة حقيقية، فكل خبر مزيف له رابط وبرنامج وأداة معينة لكشفه، حتى أننا في بعض الأحيان نقوم بمراسلة جهات رسمية بشكل مباشر، لمعرفة مصداقية الخبر المرتبط بها، فبالتقنية تنتهي معنا الإشاعات والأكاذيب أينما كانت.