(التيك توك) والبث المباشر هدمٌ مجاني بمردود مادي!

رجاء الشجيري
وسائل التواصل الاجتماعي وما تحققه لمستخدميها من مرامٍ في الشهرة والانتشار، أو الحصول على الأموال، وخاصة تطبيق الـ (تيك توك)، كيف تغلغلت داخل البيوت والأسر؟ من يراقب الأولاد وهم يسجلون الفديوهات والبث المباشر في غرف نومهم؟ الأهل وفوضى انتهاك الخصوصية للعائلة وحرمتها وإشاعتها للعلن، إلى درجة تعرضهم للخطر، وغيرها من محتويات مسيئة. مجلة “الشبكة العراقية” تساءلت كيف نستخدمه بحماية وإيجابية داخل عائلاتنا؟ وكيف نحمي الأولاد، بل وبعض الأهل معاً، من الاستخدامات السلبية الهدامة؟

من نعمة إلى نقمة
يبدأ الكاتب والشاعر كاظم غيلان رأيه معلناً أن “الحرية لا تعني الانفلات، ووسائل الاتصال الحديثة أتاحت لنا نعمة معرفية كبيرة مفاجئة صادمة، سرعان ما حوّلها بعضنا إلى نقمة، ما يتطلب الأمر فرض رقابة ومتابعة أسرية تبدأ من سلطتي الأب والأم، إذ أحدث سوء استخدام هذه الوسائل شرخاً ومشكلات كان العديد من العائلات في غنى عنها، وهذا لا يعني الذهاب لحظرها، بل أعني بذل ما يمكن من توجيه تربوي عقلاني يحمي النشء الجديد من انزلاقات الاستخدام، ولاسيما أن تقاليد اجتماعية صارمة لم تزل تحكم تصرفاتنا.”
ما وراء الباب
عن خصوصية وحرمة البيت والعائلة وتفاصيلها تحدث الإعلامي أنس عبد الرحمن قائلاً:
“فكرة البث المباشر من داخل المنازل أساساً مرفوضة، فالمنزل له خصوصيته في الوضع والملبس والمأكل. وتحويل غير العادي إلى عادي خرق جانباً مهماً يتعلق بما يمكن أن نسميه (ما وراء الباب) وحوّل المحرم إلى محلَّل، والخصوصي إلى مشاع.” موضحاً أن “البثوث المباشرة تُتداول فيها لغة العائلة من داخل المنزل وطبيعة حياتها وملابسها، وهذه كارثة على الذوق العام، ومحتوى غير مفيد في الغالب الأعم، ليس من ورائه سوى تصدير التفاهات وجلب المتابعين وزيادة الغلة من الإعجابات، حتى بانتهاك حقوق المرأة والطفل، بعلم أو بغير علم.”
استغلال الأطفال
في حين رأت الدكتورة عاصفة موسى، رئيسة اللجنة النسوية في الاتحاد العراقي للصحافة الرياضية، في هذه التطبيقات “أنها برغم إيجابياتها التي لا تعد ولا تحصى، إلا أن التأثيرات السلبية للسوشيل ميديا هي الأخطر على المديين الحالي والمستقبلي.”
تضيف موسى إن “مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت نقلة نوعية على المستوى الاجتماعي وعلاقات الأفراد، وعلى المستوى السلوكي، وهو الأهم، فأصبح هناك هوس لدى أعداد غير قليلة في مجتمعنا من الشباب والكبار، ومن كلا الجنسين، في استخدام البث المباشر وتصوير فيديوهات تتضمن حياتهم اليومية وخصوصياتهم وكل ما يتعلق بسلوكهم داخل البيت وخارجه، بل وصل إلى تصوير حياتهم في المطبخ والصالة وغرف النوم وفي كل ركن بالبيت، من أجل تحقيق أكبر قدر من التفاعل، بهدف جني الأموال.” وأشارت (موسى) إلى و”جود استغلال واضح للأطفال، وأمهات يفرطن في تصوير أطفالهن، سواء كانوا أصحاء أو معاقين، شباب من كلا الجنسين يصورون الأم البسيطة غير المتعلمة، يطرحون عليها أسئلة وهي تجيب بعفوية بقصد الضحك، وهم في الحقيقة يعرضون والدتهم للسخرية، فضلاً عن تجاوز بعضهم الخطوط الحمر بعد منتصف الليل في البث المباشر على (التيك توك)، لفتيات يتحدثن بكلام بذيء، ويطرحن أفكاراً ومواضيع منحرفة، أو يستعرضن أجسامهن، وما يمتلكنه من سيارات ومجوهرات وملابس ومكياج، وهنا مكمن الخطورة على فتياتنا، ولاسيما المراهقات، اللواتي حتماً سيتأثرن بطريقة وأخرى بما يطرح، ما يجعل مهمة العائلات مضاعفة ومطلوبة في متابعة أبنائهم.”
ملاحقة قانونية
وفيما أكد الإعلامي أنس عبد الرحمن أهمية دور الجهات المسؤولة في التوعية بمخاطر هذه الفديوهات، كونها باتت تنتشر خاصة بين فئة الشباب والمراهقين من الجنسين، وما نتج عنها من كوارث، رأت الدكتورة عاصفة أن حملات وزارة الداخلية ضد المحتوى الهابط قد ساعدت في تقليل المحتويات المسيئة، مضيفةً: “لكن الخطر مازال قائماً من النماذج التي تقدم نفسها بالبلوكر أو الفاشينيستا أو (الإعلامية) أو (الفنانة)، اللواتي يستعرضن بطريقة مبالغ فيها .” متسائلةً: “كم من فتاة انحرفت وجرى استغلالها بسبب تأثرها بمثل هذا المحتوى، وحلمها بأن ترتدي أجمل الملابس وتقود السيارات الفارهة؟” مؤكدة أن المطلوب هو ملاحقة هؤلاء قانونياً، وتشريع مواد قانونية جديدة تتلاءم مع التطورات التي نشهدها على مستوى الإعلام الرقمي.
إغراء مادي
الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي تحدث عن سلبيات تطبيق (التيك توك) والبث المباشر، مع تحليل دقيق لتفشي هذه الظاهرة الخطيرة اجتماعيا، إذ قال: “البث المباشر فيه مساوئ ومشكلات كثيرة لمن لا يجيد استخدامه لفكر وهدف صحيحين، فهناك أسرار وخصوصيات لا تراعى وتعلن فيه، وهي تهدد أمن الناس والبيوت، كأن يقوم شاب أو شابة أو رب الأسرة بإعلان أنهم ذاهبون في سفرة إلى بلد أو محافظة ما لمدة كذا يوم، وهذا الاعلان تكلفته سرقة بيوتهم عن طريق بثهم المباشر هذا، كذلك ما يحدث في بث مباشر مع أشخاص عديدين في آن واحد، فإن كان المشارك ملتزماً أخلاقيا وفكرياً فإنه لا يضمن فكر وأخلاق الأشخاص الذين معه، وما يحدث بشكل مباشر من ألفاظ خادشة للحياء أو تصرفات خارج الآداب العامة.”
وإن كان الشاعر والكاتب كاظم غيلان قد تحدث عن انهيار العديد من القيم دون الالتفات إلى مسبباتها ومحاولة معالجتها، فإن (الخفاجي) حدد عدداً من هذه الأسباب، بينها الشعور بالفراغ وعدم وجود بدائل لتعزيز الذات، والبطالة، والشعور بالنقص، والإغراء، والمردود المادي من هذه البثوث، مهما كان المحتوى. موضحاً أن “جميع هذه الأسباب تؤدي إلى لجوء الشخص لمثل هذه الانتهاكات في البث المباشر، يضاف إليها وجود خلل وتقاطع في علاقة الزوج والزوجة، أو بين الأبناء وأهلهم، أو الوحدة والعزلة عن الأصدقاء، جميع هذه الأسباب تولد حرماناً عاطفياً، يحاول الأشخاص تعويضه بأصدقاء وهميين، وتصرفات غير متزنة ومسؤولة فيما يقدم في البث المباشر!”