الثقة والحب يسهمان في إشاعة ثقافة الاعتذار

فكرة الطائي /

نحن خطاؤون، لكن من منا يعترف بأخطائه ويسعى إلى إصلاحها؟ وكيف يكون شكل الإصلاح؟ هل الاعتذار وسيلة من وسائل إصلاح الخطأ؟ هذه الأسئلة وأخرى كثيرة غيرها تصب في هذا الموضوع رحتُ أناقشها مع نفسي من أجل رسم خطوط هذه القضية التي أبغي أن أرصدها وأتعرف عليها من خلال تجارب أشخاص خَبروا الأمر وسعوا الى إصلاح هذه الأخطاء ومعالجتها.
العزة بالإثم
شاعت، وتشيع، في داخل كثير من الأسر العراقية ثقافة التمسك بالرأي حتى لو كان خطأً، أو كما سماها القرآن الكريم “العزة بالإثم”، ولاسيما بين الكبار في العائلة؛ الأب أو الأخ الكبير الذي يدرك تصرفه الخاطئ تجاه الآخرين أو تجاوزه اللفظي، ولا يمنح نفسه فرصة الاعتذار للآخر بغية إصلاح الخطأ.
في هذا الصدد تحدث لي السيد (أحمد كاظم جواد، أعمال حرة) قائلاً: حدثت مواجهة بيني وبين أخي الأصغر، وتجاوزت عليه بكثير من الألفاظ التي لا أعرف كيف خرجت من فمي بحقه، فبقي مشدوهاً لسماعه هذه الألفاظ، وبعد أن هدأت فورة غضبي وجدتُ أن سبب ذلك كله بائس وتافه، فقد تشاجر أولادي وأولاده فيما بينهم، وبعد دقائق عادوا إلى اللعب معاً. يواصل السيد أحمد حديثه عن الواقعة العائلية، مضيفاً: حين أفقت إلى نفسي أدركت مقدار الخطأ الذي ارتكبته بحق أخي الأصغر واحترمت فيه صمته وعدم الرد على تجاوزاتي.
* هل فكرت في الاعتذار من أخيك؟
– فكرت كثيراً لكني لم أبادر خشية أن يتصور أخي أن هذا الفعل هو ضعف مني، لذلك بقيت مصراً على موقفي منه على الرغم من أن الأطفال لم يتوقفوا عن خصامهم، بل واصلوا لهوَهم ولعبهم المشترك، أردت أن تسير الأمور بيني وبين أخي على نحو طبيعي من دون أن أقدم الاعتذار.
الحب وثقافة الاعتذار
يحدثنا الدكتور هلال عبد السادة حيدر(متخصص في علم الاجتماع بجامعة بغداد) عن الفضائل قائلاً: الفضائل كثيرة، فحسن الجوار فضيلة, والصدق فضيلة, كذلك الاعتذار فضيلة تحتاج إلى اهتمام منذ نشوء الإنسان تتبعه المتابعة والتعزيز, هذا الاهتمام الذي يحيط بالفرد وما فيه من فضائل يجب أن يأخذ في الحسبان أن أفكار الإنسان وسلوكياته تمرّ بمسارات الخير والشر والصواب والخطأ. وعليه فقد يطغى أحد المسارات على الآخر, هذا الطغيان قد يكون مؤقتاً أو دائماً وذلك حسب اُطُرِ التنشئة التي تحدد نوع المسار. وبما أننا بصدد الفضائل فإن على مسارات الخير والصواب أن تكون هي الراسخة في شخصية الإنسان وسلوكياته مع الآخرين. وبسبب فطرة الإنسان القابلة للصواب والخطأ فإن التوجيه الإسلامي يرشدنا إلى التراجع عن الخطأ والاستمرار بالصواب.
*هل الاعتذار وجهٌ من وجوه الضعف؟
– القرآن الكريم يذكر لفظة الاعتذار بشكل واضح في قوله تعالى (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (المرسلات: 35). والاستدراك بالعودة عن الخطأ واجب لا بد منه، فهو لا يدل على الضعف بل إنه دليل قوة, قال تعالى (وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيما) (الأحزاب: 5). فالإنسان الذي يرتكب الخطأ مع الله تعالى يجد باب المغفرة مفتوحاً إذا ما اعتذر من الباري عز وجل. لقد ذكر الجاحظ أن الاعتذار يروّض النفس ويريحها ويبعد كل الأحقاد والهموم والمتاعب النفسية عن ذات الفرد.
* هل نحن بحاجة إلى ترسيخ ثقافة الاعتذار؟
– الناس بحاجة إلى ترسيخ فضيلة الاعتذار منذ بداية تنشئتهم لأبنائهم وبناتهم باتباعهم نهجاً تربوياً يستعين بالثقافة الإسلامية لبناء شخصية إنسانية قائمة على التسامح والغفران ما سوف يشيع الرحمة والمودة بين أبناء المجتمع. وكما هو معروف فإن التنشئة الأولى تبدأ بالأسرة، صاحبة الدور الأكبر في التأثير على نظرة الإنسان للمجتمع وكيفية تفاعله مع الآخرين، باتباع السلوكيات الاجتماعية السليمة وتنمية القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب والحق والباطل. يجب إرساء قواعد فضيلة الاعتذار وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية سائدة قدر الإمكان. فالإنسان الذي ينشأ في جوّ أسريّ غير سليم يكون لديه الاعتذار عن الخطأ في أدنى مستوياته إن لم يكن معدوماً أصلاً من قاموس مفرداته.
دور الأب والأم في إشاعة سلوكيات الاعتذار
قادني الحديث مع الدكتور هلال إلى جوانب عدة من أوجه هذا الموضوع التربوي الحساس وقادتنا حواراتنا إلى دور الأبوين في إشاعة مثل هذه السلوكيات داخل الأسرة أولاً ثم إشاعتها في عموم المجتمع إذ قال: إن على الأب والأم أن يكونا صادقين مع أبنائهم, وأن يوفوا بعهودهم لهم, أما إن لم تكن الفرصة مؤاتية لتحقيق الوعد فعليهما الاعتذار لأبنائهم لعدم الوفاء بالوعد. وكما قال جبران خليل جبران: إن الاعتذار عن الخطأ لا يجرح كرامتك بل يجعلك كبيراً في نظر من أخطأت بحقه. فالاعتذار خُلُق وليس مذلة. في كثير من الأحيان تنشأ بعض الخصومات والمشاكل بين البشر وقد يكون مفتاح الحل لها هو كلمة اعتذار تزيل سوء الفهم وتطفئ نار الغضب. ورغم أهمية فضيلة الاعتذار إلا أنها ما زالت ذات وجود محدود. إن الاعتذار هو محو آثار الذنب، الاعتذار يكون لمن أخطأنا في حقّه مباشرة وبدون وساطة, وأن نسارع للاعتذار كي لا تكون للشيطان فرصة لسوء الظن, وأن يركز المعتذر على الخطأ ذاته بما فيه زمن وقوع الخطأ, على أن يكون الاعتذار بأسلوب مناسب. إن انتشار ثقافة الاعتذار يمنحنا رضا الله تعالى ويصفي القلوب ويزيد أواصر المحبة والإخاء ويطهر المجتمع من سوء الظن والحقد.
*وما موانع إشاعة هذه الثقافة؟
– من موانع انتشار ثقافة الاعتذار جهل الناس بمفهوم الاعتذار وقيمته في الإسلام. ومن المؤسف أن يكون ضعف ثقافة الاعتذار موجوداً على مستوى الأفراد والكثير من مؤسسات المجتمع ومنها الجامعات والمستشفيات وشركات الاتصالات وغيرها.
أنا وزوجي
السيدة (إيمان فاضل عبد الحسن، موظفة) تقول إنها تسعى دائماً الى تخفيف حدة التوترات في البيت حتى لا تنعكس هذه على أفراد الأسرة انعكاساً سلبياً، إذ تقول: كانت بداية حياتنا الزوجية مشاحنات وتوترات وخلافات بين زوجين، على الرغم من أننا تزوجنا بعد علاقة حب وزمالة في العمل، سعيت في كثير من الأحيان إلى تذويب هذه الخلافات وامتصاصها من أجل إدامة حياتنا الزوجية وفق ما كنا نتمنى أن تكون، وكنت دائمة الاعتذار من أجل إدامة الحب، لكن زوجي أدرك في وقت متأخر أني أعتذر عن أخطاء لم أرتكبها وإنما كان هو السبب في ذلك، فاعتذر وأصلح من سلوكه داخل الأسرة.
وسائل إصلاح الخطأ
تقول الباحثة الأكاديمية في علم النفس (فاطمة خضير المسعودي): إن وسائل إصلاح الخطأ وأساليبه داخل الأسرة عديدة يمكن لها أن تقي الأسرة الوقوع فيه، ومنها على سبيل المثال بناء الثقة بين أفراد الأسرة، فعندما تكون هناك ثقة متبادلة بين الزوجين أولاً ومع الأولاد ثانياً يكون إصلاح الخطأ سهلاً وبسيطاً، كذلك أن تسود ثقافة الاعتذار والتسامح بين الزوجين وأفراد الأسرة عامة وبناء علاقة أسرية فاعلة على أسس الحب والوئام، كما أنه لابد أن يتشجع الرجل العراقي على تدارك الأخطاء لكونه المسؤول الأول عن الأسرة وكيانها، وعليه معالجة الأخطاء في وقتها وأن تكون لدينا النوايا الصادقة للاعتذار أو التوجيه نحو تصحيح الأخطاء وليس بقصد الإساءة والتوبيخ وألّا نضع الخطأ في موقع أكبر من حجمه الحقيقي بل يجب حصره داخل الأسرة وعدم نشره بين الناس.