داقوق – مجلة الشبكة / تصوير – حيدر داقوقلو /
الحاج حسن موسى دميرجي، رجل يقترب عمره من الثمانين، ما يزال يصر على ارتداء زيه الشعبي كإشارة واضحة على تمسكه بالتراث، ويصر على أن يصبح لوحده مؤسسة للمحافظة على التراث التركماني خاصة والعراقي عامة..
المتحف
منذ شبابه، أصبح هاوياً لجمع الأنتيكات وكل شيء له علاقة بالتراث أو بالتاريخ، سواء من خلال ممتلكات عائلته أو البحث عنها في بيوت الأقرباء، أو الشراء، ولأجل قطعة واحدة هو مستعد للذهاب إلى أية مدينة عراقية. يقول مازحاً وهو يشير إلى ملعقة طعام قديمة: “اشتريتها بمبلغ كبير على أساس أنها فضة ووزنها كبير، ومن ثم اكتشفت أنها ليست فضة”. وعندما كثر ما يجمعه من قطع، قرر أن يفتتح متحفاً في حسينية الثقلين، وسط داقوق، والتي بنتها عشيرته، وأطلق عليه اسم (متحف حسينية الثقلين)، وعلق قطعة في مدخل المتحف كتب عليها: “من لا ماضٍ له لا حاضر له”، ويقول إن الماضي هو نقطة البداية إذا عرفناه جيداً سنعرف التعامل مع الواقع ونخطط للمستقبل، لذلك أصر على افتتاح المتحف واستقبال الزوار، ولاسيما التلاميذ والطلبة الذين يمضي معهم أوقاتاً طويلة يشرح لهم ويجيب على أسئلتهم.
أقدم قطعة
بدأ الحاج موسى أولى خطوات متحفه قبل أربع سنوات بقطع معدودة وضعها في دولاب ببابين زجاجيين، ربما ليرى إن كان المصلون وزوار الحسينية في المناسبات سيلتفتون إليها ويسألونه عن تاريخها واستخداماتها، وفعلاً هذا ما حدث.. ليقرر أن ينقل كل القطع التي قام بجمعها على مدى نصف قرن تقريباً إلى الحسينية، محولاً قاعتها إلى متحف فيه الرفوف المختلفة الأحجام والدواليب، إضافة إلى مئات الصور لشخصيات بلدته وكركوك وأخرى عراقية لها تاريخ وإنجازات.
في هذا المتحف قطع قديمة مثل صفارة شرطي تعود إلى سنة ١٩١٧، وأقفال أبواب تعود إلى بداية القرن العشرين ومفاتيح خشبية لأبواب بيوت قبل هذا التاريخ وأبواب قديمة تعطي الزائر إيحاء أنه لو طرقها بالمطرقة النحاسية بصوتها المميز فإن هناك من سيفتحها له، وبندقية يعود تاريخها الى ١٨٩٠، يقول عنها الحاج موسى: ” هذه إحدى أقدم القطع التي امتلكها، وقد اخبرني الشخص الذي اشتريتها منه أن هذه البندقية حاربت في ثورة العشرين”.
صناعات تراثية
في المتحف صناعات تراثية خشبية مثل مهد طفل وسرير وكذلك الحجلة، ومن الفخار، خاصة فخار طوز خورماتو المشهور وكذلك فخار من داقوق، نشاهد أواني طعام، يقول عنها “للطبخات طعم آخر في هذه الصحون الفخارية أو إذا تم طبخها في قدور فخارية”.
في المتحف أيضاً صندوق خشبي قديم ومرآة قديمة جداً، كانا من ضمن جهاز العروس سابقاً، يقول “كان الصندوق والمرآة يذهبان إلى بيت العروس قبل الزفاف، وكانت والدة العريس ترقص أمام موكب الصندوق والمرآة وهي تحمل جفجيراً ومغرفاً وكأنها تقول للعروس لن أسمح لك أن تطبخي لابني ولاسيما أن غالبية العرايس كن يسكنَّ مع أهل العريس في بيت واحد”.
دعوة على الشاي
سنرى أيضاً سماورات مختلفة الأحجام وقواري شاي قديمة، وكأن سيدة البيت ستهيئ السماور والشاي للزوار، بل وكأن رائحة الشاي والهيل ما تزال القواري تحتفظ بها. سماوارات فحمية ونفطية وكهربائية، إيرانية وروسية وتركية، وفوانيس ولالات فحمية ونفطية ولوكس. وفيه مسجلات صوت وراديوات قديمة أيضاً، فضلاً عن كاميرات، ومن بينها كاميرا قديمة يقول عنها “إنها أول كاميرا اشتريتها في حياتي ولا أعرف كيف ضاعت مني، ومع افتتاح المعرض جاء بها صديق قديم كهدية وعرفت أنها كاميرتي التي ضاعت مني وفرحت بها كثيراً”. كاميرته هذه التي رجعت إليه تقف قائدة لمجموعة الكاميرات القديمة التي يملكها الحاج موسى ويعرضها.
صور وطوابع
في المتحف صور لمن حكموا العراق، ولاة عثمانيين، الملوك والرؤساء الذين قضى أحدهم على الآخر لغاية ٢٠٠٣، صورهم واحدة قرب الأخرى، ومجاميع طوابع، يقول عنها “بعض الذين ولدوا في عصر الإيميل لا يعرفون الطوابع ويسألونني عنها فأشرح ما هي ولماذا كنا نستخدمها وكيف أن جمع الطوابع كان هواية رائعة”.
ويشير الحاج موسى إلى دينار من العهد الملكي ضمن مجموعة النقود العراقية سواء المعدنية أو الورقية المعروضة ويقول “كانت في هذا الدينار بركة، كنا نصرف بعضه وليس كله أجوراً للسفر إلى بغداد والنزول في الفندق لأيام والذهاب إلى المطعم والعودة إلى داقوق أو كركوك وفي جيبنا ما تبقى منه”!