محسن العكيلي/
ليس هناك طريق آخر سوى طريق الحسين، بداية هذا الطريق هي بداية الطبيعة، نهاية هذا المسار هي لون جمال الله، طريق السماء الصافية، طريق الدموع والآهات، وهل هناك أفضل من الطريق إلى كربلاء؟
أفواج بشرية تسير كالإعصار منذ بواكير سنينهم الأولى. كان انشدادهم للحسين يثير في أنفسهم السؤال، وكيف كان ليل عاشوراء يأخذهم بعيداً على جناح الحزن في صوت أمهاتهم. يتسلقون غيمة عشق، ويتحد في حنجرتهم الصمت. يقفون عاجزين أمام قيثارة الألم السومري وهي تعزف وجع كربلاء. يلملمون حبات العرق والدمع في مواكب المعزين، فيرتسم على مقلهم رثاء الأجداد، وصرخة الحسين ترضعهم الانتماء، فكلما أكملت الأرض دورتها أعادتهم يغازلون الجرح عارياً أمام الحسين.
الطعنات في جسد الحسين كانت طرقاً للعاشقين، تفتح أبواب القلب وتقول ادخلوا آمنين. أيقنوا حينها أن كربلاء جبل عشق وقبلة للثائرين. تعلموا أن الحسين هو باب الإنسانية، ندت على أعتابه صرخة تاريخ بوجه الطغاة، لكي تبقى مسيرة الحياة تحث الخطى نحو قبلة الأحرار. ألا ما أروع الشموخ حين يصنعه الإيمان بالله، وتصوغه عقيدة السماء، حينها تقف كل الأشياء صامتة في حضرة الحسين.
نراه حائطاً ينتظر الباكين على رمضاء الطفوف، سراجاً يضيء الكون ومراسم الثبات، تهوي إليه قلوب يعلوها صراخ ودخان، ويبقى دمه النبيل عنواناً للإباء. يريدون أن يعطروا أقدامهم بالمسير إليه، أن يهللوا لعلوه في السماء، أن يصلوا مع جموع المصلين، يسرعون نحو فجوات الضوء، لأنهم تعلموا أن الحسين بذل وعطاء. فتية ونساء، رجال وشيوخ، يحلقون حول الزائرين كأجنحة الملائكة، يتوسلون خدمة زوار سيد الأحرار. هالة ملائكية تحيط الزائر بالود والحب، (تفضل يزاير)، بهذه الكلمات يستقبلون زوار أبي عبد الله، يتفانون في خدمتهم، برغم أن كثيراً منهم يعانون من شح الحال، لكنهم تعلموا أن من بذل نفسه وعياله من أجل مرضاة الله، يستحق أن يبذلوا من أجله كل شيء. يوقنون أن الحسين وهج لا ينطفئ، يضيء الظلمات في كل ضمير.. يبقون عطاشى لخدمة الحسين مهما تعاقبت الأجيال. حين تسير في هذا الطريق تنتقل إلى عالم آخر بشعور لا يوصف، روحانية لا يمكن لها أن تتحقق إلا في الطريق إلى الحسين.
(تفضل يزاير)، حين تنطقها أفواه الأطفال، هي رسالة إلى العالم أن البنيان الراسخ للحسين جعل هؤلاء الأطفال عمالقة بكرمهم، يستلهمون قيم الإباء والكرم من تلك الواقعة، ويعلمون أن طريق الحسين نهايته العروج إلى ملكوت الله وجنان الخلد. (تفضل يزاير).. جملة لا ينطقها إلا ملائكة الأرض.