جبار عودة الخطاط/
“الآن تنفست الصّعداء”، يقولها عامر وهو ينفث دخان سيجارته متطلعاً الى كروم العنب التي اتخذها زراعة بديلة عن الحشيشة التي أمضى سنوات طوال بزراعتها في بقاع لبنان، ويضيف: “زراعة الحشيشة تجعلك شخصاً غير مستقر وغير مرتاح البال والضمير، لأن هاجس الملاحقة الأمنية ينام ويصحو معك، بحيث تكون دائماً تحت طائلة التهديد بدخول السجن”، فالقانون اللبناني يجرّم كل من يتاجر بالحشيشة، لذا فثمة الكثير من تجار الحشيشة في مناطق البقاع مطلوبون قضائياً، ومنهم من بات يطالب بإصدار عفو ليعودوا الى ممارسة حياتهم الطبيعية، فيما يطالب آخرون بتشريع زراعتها.
زراعة الحشيشة ازدهرت في بلاد الأرز إبان الحرب الأهلية التي امتدت بين عامي 1975-1990 حتى عد لبنان المصدر الأكبر لهذه النبتة المخدرة في منطقة الشرق الأوسط، وكان ينتج سنوياً ألف طن من الحشيشة وما بين 30 و50 طناً من الأفيون المكوّن الأساسي للهيروين كما يفيد مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدّرات والجريمة.
أسباب زراعة الحشيشة
يقول الدكتور حسين حمود، الأستاذ في كلية الزراعة/ الجامعة اللبنانية، إن “أسباب لجوء قسم من منطقة البقاع، لاسيما أبناء البقاعين الأوسط والشمالي إلى زراعة المخدرات كثيرة، أبرزها الإهمال التنموي للمنطقة، اذ بسهولة يمكن أن تلمس الغياب لأبسط الخدمات المعيشية، والزراعة واقعها سيئ والمزارع متروك لرحمة التجار والسماسرة وتعقيد الظروف المناخية، من دون أية حماية، ما جعل الأبواب مشرعة إزاء استغلاله، فيبلغ عدد العاملين في قطاع الزراعة في منطقة البقاع نحو 60% من السكان، لذلك يتوارث العديد من العائلات في قرى بعلبك والبقاع زراعة الحشيش عبر الأجيال كونها الأكثر ملاءمة في ظل الظروف الاقتصادية المذكورة. زراعة الحشيشة كانت تدرّ في الثمانينات على منطقة بعلبك – الهرمل ما يقارب 500 مليون دولار سنوياَ.”
برنامج استئصال المخدرات
ويؤكد حمود: “مع نهاية الحرب الأهلية في لبنان العام 1990، أطلقت الحكومة اللبنانية برنامج استئصال المخدرات بالتعاون مع الأمم المتحدة، وبفضل الوعود التي قدمتها برامج المساندة الحكومية والدعم المالي العالمي، توقف الفلاحون عن زراعة الحشيشة. وبحلول العام 1994 أعلن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة أن سهل البقاع خالٍ من المخدرات، وقدر كلفة عدم العودة إلى إنتاجها بـ 300 مليون دولار أميركي.
فشل البرنامج
يقول الدكتور حمود “وهكذا سرعان ما فشل البرنامج، بينما استمر البحث عن طرق جديدة لإقناع المزارعين بزراعة المحاصيل الشرعية الأخرى البديلة، إلا أن هذه المحاولات فشلت بغياب الدعم المالي من الدولة أو الأمم المتحدة، وبغياب ستراتيجية واضحة لزراعات بديلة تؤمن للمزارع معيشة مستقرة، وهكذا عادت زراعة الحشيشة، وعادت حملات الإتلاف بحيث كانت القوى الأمنية تتلف سنوياً ما بين 1000 و6500 هكتار من الحشيشة، لكنها اليوم تشهد تراجعاً في زراعتها ونجد الكثير من المزارعين صار يبحث عن بديل لزراعته.”
مطالبات بشرعنة زراعتها
من اللافت أن ترتفع أصوات بارزة للمطالبة بشرعنة زراعة الحشيشة في لبنان، ولعل من أبرز المطالبين بذلك السياسي اللبناني وليد جنبلاط الذي طالما أطلق التصريحات والتغريدات المثيرة بهذا الخصوص، فقد جاهر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي بتأييده شرعنة زراعة الحشيشة في لبنان خصوصاً في البقاع.
مؤكداً بأن “لا خوف من تشريع الحشيشة لأغراض طبية فهي لا تشكل خطراً على الصحة ما لم تصبح إدماناً، لأن البقاع من أفقر المناطق إلى جانب عكار” مذكراً أن إيرادات الحشيشة في البقاع كانت “تفعّل الدورة الاقتصادية في لبنان.”
وقد تحولت قضية شرعنة زراعة الحشيش في لبنان إلى قضية في مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت “هاشتاكات (# شرّعوها) بيد أن هذه القضية سرعان ما اتخذت طابعاً ساخراً، وهدأت الحملة.
مسؤولية الدولة والمزارع
الباحث الإسلامي عباس غصن قال لـ “الشبكة”: بكل تأكيد الدولة مقصرة في قضية زراعة الحشيشة لأنها بإهمالها جعلت قسماً من المزارعين يعمد الى زراعة المخدرات، لهذا على الدولة أن تبذل الجهد المطلوب منها لتوفير البدائل، بحيث تجعل المزارع يحجم عن زراعة هذه النبتة المضرة بقيمنا ونسيجنا الاجتماعي، وعلى المزارع اللبناني أن يراعي الله في نفسه وفي قوت عياله، وأن يبحث عما يريح ضميره، فيزرع المحاصيل الزراعية المشروعة ليكون في مأمن من عقاب السماء فضلاً عن العقاب الذي ينتظره هنا بفعل العقوبات القانونية المترتبة على زراعة الحشيشة.”
أرقام الأمم المتحدة
طبقاً لموقع “هافوجسكوب” المعني بقياسات الأعمال غير المشروعة دولياً، أن تجارة الحشيش العالمية تقدر بنحو 141 ملياراً و80 مليون دولار سنوياً، وأن لبنان كان يصدر عن طريق التهريب الحشيشة إلى بلدان عديدة، خصوصاً أوروبا وأميركا الشمالية، وكان يؤمن له مردوداً بملايين الدولارات. وأن حجم المردود يصل سنوياً الى نحو نصف مليار دولار. في حين يحدد “هافوجسكوب” أن كل جرام حشيشة من إنتاج لبنان يباع بـ 15 دولاراً خارجه، وأن كل دونم (ألف متر مربع) مزروع بالحشيش ينتج نحو 10 آلاف إلى 15 ألف دولار. وتتراوح تحديدات حجم المساحة المزروعة بالحشيش في لبنان بين 10 آلاف و30 ألف دونم.
لابد من بديل
شوقي الفخري، مدير تعاونية هضاب هيليوبوليس، قال “المزارعون الذين يزرعون الحشيشة غير سعداء بالحياة خارج القانون ونحن أثبتنا ذلك من خلال طرحنا للبديل قدر تعلق الأمر بمدى إمكانيتنا، فإذا عُرضت على الناس زراعة مربحة وشرعية، سيتجهون فوراً إليها من دون أي تردد”. الفخري يضرب مثلاً “أن زراعة الحشيشة أغرت في السابق والده وأعمامه، لكن جده الذي كان كاهناً من دير الأحمر عارض الأمر بشدة، وهاهو اليوم يدير جمعية تعاونية تعمل في الزراعة الشرعية وبما يوفر الحياة الكريمة للمزارع “وهذا ما طالبنا ونطالب به ضرورة الإسراع بتوفير البدائل للمزارع اللبناني.”
و “تعاونية هضاب هيليوبوليس” تأسست عام 1999 وتغطي 250 هكتاراً في منطقة دير الأحمر، حيث شجعت المزارعين على زراعة العنب كمحصول شرعي مربح ووجدت إقبالاً كبيراً.