الذكرى 10 للإبادة الجماعية للإيزيديين هل يمكن منع”الفرمان”؟

د. سعد سلوم/

تسببت الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش ضد الأقلية الإيزيدية في العراق بمأساة ليس من السهل تخيلها. بعض البيانات تعطينا مؤشرات واضحة: قبل غزو داعش لسنجار في صيف 2014، كان عدد السكان الإيزيديين قرابة 550 ألف شخص. وفي أعقاب الهجمات الأولية، هُجر ما يقرب من 360 ألفاً منهم، وقُتل 1293 شخصاً، ويُتِّم 2745 شخصاً، واختُطف 6417 آخرون (3548 امرأة، و2869 رجلاً).

تشير هذه الأرقام إلى الاستهداف الشرس والمتعمد للجماعة، أكثر من أية أقلية أخرى، على الرغم من أنَّ المسيحيين والمسلمين الشيعة والأقليات الأخرى، مثل التركمان والشبك والكاكائيين، وحتى المسلمين السنة الذين عارضوا المجموعة، عانوا أيضاً من فظائع مروعة.
شكّل سبي النساء الإيزيديات واغتصابهن من قبل مقاتلي داعش نوعاً خاصاً من الهجوم، استعمل كوسيلة للتطهير العرقي Ethnic Cleansing لتحقيق أهداف تتعدى مجرد الاعتداء على النساء واستعمالهن كسلعة في سوق نخاسة القرن الحادي والعشرين. فقد كان استعمال النساء في الحرب بهدف الترويع والإذلال الجماعي لأقلية دينية والحطّ من كرامتها، وأيضاً بهدف التأثير على التكوين العرقي لهذه الأقلية الدينية.
يفضل العديد من الإيزيديين استعمال مصطلح (فرمان) للإشارة إلى الإبادة الجماعية، وهو مصطلح فارسي يستعمل أيضاً في اللغة التركية. (الفرمان) هو قرار -أو قانون- صادر بأمر من الباب العالي، السلطان العثماني نفسه، بأثر فوري. وقد ترسخت هذه التسمية بعد المذابح المتكررة ضد الإيزيديين من قبل العثمانيين وحكامهم المحليين، التي صدرت من خلال فرمانات. لذلك، فإنَّ اسم (فرمان) محفور ومفضل في الوعي الجماعي الإيزيدي للإشارة إلى الاستمرارية التاريخية لاضطهاد الإيزيديين. بعبارة أخرى، استُعمِل المصطلح للإشارة إلى الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش، كحلقة وصل في التاريخ الكامل للمجازر والإبادة الجماعية التي عصفت بالإيزيديين في الماضي. الاختلاف هذه المرة، أي في عام 2014، هو أنَّ المجتمع الدولي بأكمله شاهد الفرمان رقم 74 على يد داعش بفضل انتشار وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
غالباً ما يقول الإيزيديون إنَّ “الإبادة الجماعية مستمرة”، للإشارة إلى حلقات العنف المتواصلة ضدهم، إذ عاش الإيزيديون ما قبل تأسيس العراق المعاصر 1921 في ظل الإمبراطورية العثمانية، كجماعة دينية صغيرة لاذت بجبل سنجار حفاظًا على خصوصيتها، لكن العالم الخارجي كان يهدد عزلتها، فطاردتها الفتاوى والفرمانات (أوامر الإبادة والمجازر السلطانية)، التي تؤرخها الذاكرة الجمعية بوصفها تاريخاً متصلاً من 74 حلقة متواصلة من حالات القتل الجماعي.
تدرج الجرائم التي ارتكبها التنظيم المتطرف ضد الإيزيديين، بوصفها من أحدث الحلقات لعنف الإبادة الجماعية في القرن الحادي والعشرين، ومثالاً آخر على فشل المجتمع الدولي في منع الإبادة الجماعية، لكنها من جانب آخر وضعت هذه الأقلية غير المعروفة في محيط الشرق الأوسط والعالم تحت الأضواء، كما دفعت صور العنف المنتشرة في وسائل الإعلام والتقارير التي وثقت الفظاعات، التي ارتكبها التنظيم المتطرف، المجتمع الدولي للتدخل في الحرب ضد داعش.
في جميع الحالات السابقة للتاريخ العالمي للإبادات الجماعية، فإنَّ الإبادة الجماعية تكشف عن عمق الأزمة الثقافية التي تنخر عالمنا المعاصر، وتثير مخاوف عميقة عن عالم مرعب نعيش فيه، يقع المدنيون فيه ضحايا لحسابات ضيقة وتصنف فيه الشعوب إلى مراتب.
ومع توفر كمّ جديد من التفسيرات المختلفة للإبادة الجماعية في علم النفس وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والعلوم السياسية والتاريخ وحتى اللاهوت، جرى تحليل تأثير العنصر أو العرق أو القومية والجنس على جرائم الإبادة الجماعية. لم يستثنِ هذا التصنيف شعباً من الشعوب على أسس قومية، أو دينية، أو مذهبية، أو فكرية، إلخ. ولم تتورع أنواع الأنظمة السياسية المختلفة التوجهات والآيديولوجيات عن ارتكاب تلك الجرائم.
ومع إن العديد من البرلمانات وحكومات الدول اعترفت بالإبادة الجماعية للإيزيديين خلال سنوات قليلة من وقوعها، لكن ذلك قد لا يمنع من حدوثها في المستقبل القرب، فقد أثبتت أحداث اجتياح داعش لمحافظة نينوى ومناطق أخرى في العراق، وقبلها في يوغوسلافيا ورواندا وتيمور الشرقية ودارفور وميانمار، كيف أنَّ تهديد الإبادة الجماعية لا يزال قضية رئيسة في السياسة العالمية. فإن يكون أكثر من ستين مليون شخص ضحايا الإبادة الجماعية في القرن العشرين وحده، بما في ذلك الخسائر الأخيرة في البوسنة ورواندا، وبمعزل عن ضحايا دارفور والعراق وفلسطين، فذلك يستحق منا وقفة لمنع تكرار هذا العنف والقتل الجماعي في المستقبل.