النجف الاشرف – صادق العزاوي/
( نور عيني يا حسين ) ..
كلمات ثورية قرأت على المنابر بلسان أشهر الرواديد في طرف البراق وفي صحن أمير المؤمنين (ع)، حيث كان الصحن يمتلئ عن آخره ويرتج من صوت ضربات الصدور وهي تواسي عظام صدر سيد الشهداء (ع) المهشّمة.
فقد كانت قصائد علي الرماحي الثائرة تهز كيان الطواغيت لذلك لفتت أنظار رجال البعث الذين قاموا بمراقبته ومضايقته ومن ثم إعدامه، سرد لنا تفاصيلها شقيقه الدكتور ناجح الرماحي عندما التقيناه قائلا:
بداية شعرية
علي الرماحي نشأ في بيت معتدل من حيث الحياة والثقافة، إذ كان والدنا موظفاً وشاعراَ وعمّي كان شاعراً أيضا وله خمسة دواوين في المكتبة الادبية، وتقام في دارنا المجالس الحسينية ولنا موكب نقدم فيه جميع الخدمات للزائرين، لذلك وسط هذه الأجواء نشأ علي الرماحي وصار لديه حب وولع بالشعر وأثر هذه بشخصيته بشكل كبير وفي المرحلة الابتدائية كان يقرأ القصيدة الوطنية في رفعة العلم بالمدرسة، فهو يحفظ الكثير من الشعر ولهذا ولدت لديه ملكة حفظ وكتابة الشعر.
وفي أيام الصيف حين كنا ننام على السطح تكون هناك مطاردة شعرية بيني وبينه، هذه المطاردة هي أكبر تنمية للانسان عندما يريد أن يحفظ ويكتب الشعر وبالتالي حفظ جميع بحور الشعر واتقنها وكان المشجع له في مرحلة الابتدائية الاستاذ محمد رضا كمونة رحمه الله مدير المدرسة.
وفي المرحلة المتوسطة بدأ يقرأ الشعر بالمحافل وبدون ورقة، لأنه كان مفعماً بحفظ الشعر وقراءته وفي المرحله الاعدادية وسع أفقه الشعري.
كان يدعى في الحسينيات والمناسبات الدينية لا سيما في ذكرى بيعة الغدير ومواليد أهل البيت ويعدّ من أهم المشاركين فيها.
شكّلت هذه المرحلة قفزة نوعية في شعر الرماحي، إذ قرأ قصيدة الله أكبر وهو في المرحلة الاعدادية:
وصفوه غديرا او كوثر لا بل هو أوفر ..
نحتوه المسك او العنبر بل هو أعطر ..
فهو البدر بالظلمات
وهو الزهر بالجنات …
هذه القصيدة قرئت في موكب البراق سنة 1973 وكان لها أثر كبير في خلق تنافس كبير بين الشعراء والمواكب، حيث التجديد بالشعر والصورة الرائعة والالقاء كما أجاد الرادود سيد محمد العوادي أداءها وبعد قراءة هذه القصيدة صار هناك صدى كبير لعلي الرماحي؛ ليس على مستوى النجف الاشرف وإنما على مستوى العراق وهو بعمر 17 سنة.
ثائر وشاعر
وعندما دخل كلية الزراعة في جامعة السليمانية كانت له صولات وجولات في سلوكيات الحياة الجامعية بحيث أسّس حركة طلابية تدعو الى العدل والحياة الكريمة والثورة ضد السلوكيات السلبية في المجتمع، ولذلك أصبحت شخصيته محورية ومؤثرة جداً في الوسط الجامعي وأغلب الطلبة والطالبات يعرفونه ويودون مرافقته ويكونون معه دائما لما له من تأثير كبير، وذلك لأنّه صادق ومخلص بشهادة أغلب أصدقائه واستقطب حتى الطلبة الاكراد، وكان يلبس الزي الكردي ويتحدّث معهم بلغتهم وعندما تخرّج في الجامعة كلّف أحد زملائه من البصرة وتعاهدوا على إكمال ما بدأ به علي الرماحي في متابعة ومعالجة شؤون الطلاب وتوجيه مسارهم بعيدا عن التحزّب.
من هذا كله ولدت شخصية علي الرماحي الرافضة للظلم والرافضة للسلوكيات السلبية والمضحي من أجل الوطن والمجتمع والدين والبعيدة عن كل البعد عن التحزّب وبرزت هذه الصفات في شعره وبدا تأثيرها واضحا في المجتمع.
مطاردة أمنية
وعلي لم يكتب القصيدة الحسينية فقط وإنما كتب جميع أنواع الشعر وأنا بدوري سأصدر مطبوعين قريبا، إذ حصلت على الكثير من القصائد ولكن مع الاسف بعضها مبتور بسبب سوء الخزن ولشدة وقساوة المطاردة الامنية لجميع تراث ومخلفات الشهيد علي.
وعن كيفية كتابة قصيدة (نور عيني يا حسين) يقول الدكتور ناجح: جئنا أنا وعلي بعد أذان المغرب وشاهدنا أعضاء موكب البراق يتجمعون في شارع الصادق (ع) على شكل مجاميع او (كراديس) لانطلاق الموكب ليلة العاشر من محرم سنة 1979 ووقفنا في نهاية المجموعة الاولى، فتقدم الينا أحد خدمة الموكب البارزين وقال: (ابو حسين اليوم ليلة العاشر ونريد سيد محمد ينزل بقصيدة منك قوية).
وأثناء انطلاق الموكب من شارع الصادق مرورا بمنطقة الميدان الى السوق الكبير الى الصحن الحيدري الشريف بدأ علي يكتب نور عيني يا حسين وأنا بجواره وقبل الوصول الى الصحن الشريف أكمل القصيدة وهي من 60 بيتاً وسلّمها الى السيد محمد لقراءتها.
وعندما سألته كيف كتب القصيدة قال: والله لا أعلم، كانت الكلمات تنهمر وحدها وبعد قراءة القصيدة اهتزت أركان النظام، وكان موجوداً أثناء قراءتها مزبان خضر هادي والمحافظ ومدير الأمن وأحدثت صدى كبيراً جداً، وأثناء قراءة القصيدة كنا نقف أنا وعلي ومجموعة من الاصدقاء والشعراء والمثقفين تحت مرزاب الذهب.
كانت قصائد علي مرثية ثورية وتحث الشباب على الاصلاح والوقوف ضد الظلم والطغيان.
قصيدة لصدام
قبل الاعتقال بثلاثه أيام، أي يوم 28/6/1980 كنت جالسا انا وعلي بالقرب من مسجد الكوفة، فجاء الينا أحد عناصر الامن وبعد نزوله من دراجته الهوائية صاح بأسلوب وتشنج بعثي أبو حسين: حضرلك قصيدة زينة للسيد الرئيس….. تكتب لو ما تكتب، فأجابه علي طبعا ما أكتب لو ثرمتوني سبع مرات، كلمة لصدام ما أكتب، قال له عنصر الأمن ولكن هذا الامر سيكلّفك كثيراً، أجابه علي: بلّغ أسيادك مهما يكون لن أكتب كلمة واحدة، بعدها استقل دراجته وذهب وكان غاضبا متوعدا.
ذهبنا أنا وعلي بعد أداء صلاة المغرب في مسجد الكوفة خلف السيد موسى بحر العلوم الى كورنيش الكوفة وجلسنا في كازينو الموظفين، إذ كان علي يعشق الجلوس أمام شاطئ الفرات وكتب علي قصيدته الأخيرة ولكن لم أحفظ منها سوى البيت الأخير:
سيدي عهدا فإنّي ثابتٌ فمجاهد فمجندل فشهيد
وكان الموقف صعبا وشعرت أن أخي لن يعود لي، أما هو فكان حقيقة سعيدا وكأنه يعلم بمصيره، وفي عصر يوم 1/7/1980 بعد رجوع علي من دائرته إذ كان موظفا في دائرة زراعة خان النص طرق الباب مدير دائرته وهو شخص يدعى أبو فارس من مدينة القائم، وكان وفيا ومخلصا لعلي: (وهنا أناشد أي شخص يعرفه يوصلني به لأشكره على موقفه الشجاع والنبيل) وطلب من علي أن يذهب معه وأن يصطحب معه من يحب ليهرّبه الى سوريا، لأن مصيره سيكون الإعدام في حال بقي يوما واحدا فرفض علي، وقال كيف أدعو الشباب الى الثورة والوقوف ضد الظلم وأهرب.
وفي صباح اليوم التالي 1/7/1980 فوجئنا بمفارز الامن وعددهم أكثر من 12عنصر أمن، إذ تم اعتقالي أنا والوالد وتمت مصادرة مكتبة علي وجميع متعلقاته، وكانت معهم سيارة بيكب ومن ثم ذهبت نفس المفرزة الى دائرته واعتقلته من هناك وبعد سقوط النظام وجدنا قرار إعدامه في الشهر الثاني من سنة 1982.
جميع القصائد المنبرية التي قرئت له في حياته هي 12 قصيدة وبعد السقوط قرئت له قصيدتان من قبل نفس الرادود السيد محمد العوادي.
طيلة فتره اعتقال علي الرماحي لم تنم والدته في غرفة فيها مبردة او مكيف صيفا او تدفئة شتاء.
ولم ترتح عائلة علي الرماحي من المساءلة الامنية الشهرية منذ أول يوم اعتقاله ولغاية سقوط الصنم.