الشبكة/
حين نسمع كلمة غجر تتبادر إلى أذهاننا تلك الفئة الراقصة والموسيقية الجوالة أو ممن اختصوا بقراءة الطالع والفأل. الغجر ربما أكثر تعقيداً مما طبع في أذهاننا فمن يكون أولئك القوم.. الغجر هم قوم جفاة متجولون منتشرون في جميع أنحاء الأرض يتمسكون بتقاليدهم الخاصة ويعتمدون في معيشتهم على التجارة او عزف الموسيقى وقراءة الطالع أو التسول او بعض الصناعات الخفيفة.
ويوصف الغجري عادة بأنه متشدد متسكع متحرر من صفات المجتمع وقيمه فما هو أصل الغجر؟
مجموعة عسكرية متنوعة
يعتقد الكثيرون أن الغجر جاءوا من رومانيا أو المجر، فيما يرى آخرون أنهم مجموعة عسكرية متنوعة تجمعت خلال القرون الماضية في منطقة البنجاب شمال الهند لقتال المسلمين. ومع مرور الوقت نزحت هذه المجاميع إلى الشمال الغربي من إيران وأرمينيا ومن ثم تنقلت إلى شبه جزيرة البلقان حيث دخلت المفردات اللغوية الرومانية والصربية إلى لغتهم، وفي النهاية تفرقت هذه المجموعة إلى مجموعات صغيرة وانتشرت في أوروبا وشمال أفريقيا حين تأسست مجموعات فرعية منهم في بريطانيا وألمانيا ورومانيا وأوروبا الشرقية وكذلك المجر والاتحاد السوفيتي سابقا، واليوم ينتشر الغجر في جميع أنحاء العالم. وعند بداية هجرة الغجر لم يكن مرحباً بهم بسبب اختلاف اللغة والمظهر، وقد تعرضوا أحياناً للإيذاء والمضايقات وهو ما شكل في النهاية نمط الترحال والتنقل لديهم في حياتهم الاجتماعية. لا يفضل الغجر تعليم أولادهم اللغة الأجنبية أو أسلوب الحياة المدنية والتحضر أو حتى الاتصال مع غير الغجريين أيضا فهم لايسمحون إلا للغجريين برعاية الأطفال ويذهب أطفالهم للمدارس حتى سن العاشرة أو الحادية عشرة وباقي التعليم يحصلون عليه في المنزل والمجتمع.
المرأة الغجرية
للمرأة في المجتمع الغجري احترام كبير وذلك لقدرتها على كسب المال المرتبط بقراءة الكف، فهو المصدر الأساس للدخل لديهم، أما عمل الرجل فهو مصدر دخل داعم يؤمن الغجر بالأسرة الممتدة كوحدة اقتصادية. ويقوم الآباء بترتيب زواجات أبنائهم والذين يتم تزويجهم غالباً في منتصف أواخر سن المراهقة ويعيش الزوجان في منزل والد الزوج حتى إنجاب طفلهم الأول أو الثاني وفي أية مناسبة كالزفاف أو العزاء يتجمعون بأعداد تصل العشرات او المئات، كل حسب ديانته.
ترحال دائم
انقسم الغجر في دياناتهم حيث أصبح جزء منهم مسلمين كما في البوسنا والهرسك بينما جزء آخر تبعوا مذهب الارثدوكس في صربيا والجبل الأسود، أما غجر أوروبا الغربية فتحولوا إلى الرومانية الكاثوليكية. بالنسبة لحياتهم الاقتصادية على مر القرون حاول الغجر العمل في وظائف تتناسب مع ترحالهم، منها الأشغال المعدنية والخشبية والنجارة وتجارة الخيول. كذلك فقد تنوعت وظائفهم بحسب مجموعاتهم العرقية، فمثلا عمل غجر رومانيا في تدريب الحيوانات والاستعراض ومجموعات أخرى عملت في قراءة الطالع. لكن ما يحسب عليهم او ما يعرف عنهم أن الغجر في جميع أنحاء العالم يشتهرون بالرقص والغناء والعربات الملونة الموسيقية ويرجع إليهم الفضل في ابتكار رقصة الفلامنكو في إسبانيا. ومع تطور الوقت تطورت تجارة الغجر، فتجارة الخيول تحولت إلى تجارة السيارات وإصلاحها وانتقل العاملون في المعادن للعمل في الساعات والمجوهرات.
القدم الملوثة
بالنسبة للمعتقدات الغجرية فإن لدى الغجر نظام محرمات قوي، فعلى سبيل المثال يعتبر الغجر أن الجزء العلوي من الجسم نقي اما الجزء السفلي منه فهو ملوث ومنه القدمان والجهاز التناسلي وحين يقدم أحد منهم على ارتكاب خطيئة يظل منبوذاً لمدة قد تتجاوز العام أو قد يتم طرده من المجتمع وعادة ما تعد القدم ملوثة وأي شيء تلمسه ملوثاً. وقد يتم التساهل مع أمر المحرمات بالنسبة للصغار وكبار السن، لكن ليس هنالك أي تساهل مع الكبار والمتزوجين، فمثلا حين تضع المرأة الغجرية مولودها فكلاهما يعتبر ملوثاً، لذلك يتم عزلهما بشكل مؤقت عن بقية العائلة.
اضطهاد الغجر
تعرض الغجر لاضطهاد كبير في أوروبا لاتهامهم بالسرقة والأعمال غير المشروعة، وقد وصلت قمة اضطهادهم حين أصدر احد الملوك مرسوماً يقضي بقتل كل غجري فوق الثامنة عشرة من العمر، كما قامت بافاريا بإنشاء وزارة مختصة بشؤون الغجر، وكان العداء يتركز في ألمانيا، فقد صدرت قوانين تُلزم الغجر الذين ليست لهم مهنة ثابتة بالعمل القسري كما تعرضوا لاضطهاد كبير في زمن هتلر لأنهم شعوب غير آرية وقد تم ترحيلهم إلى معسكر اوشفتيس، ويقال إنه تم قتل خمسة آلاف غجري من أصل عشرين ألفا ممن يعيشون في ألمانيا. وإلى يومنا هذا يعيش الغجر في أوروبا الغربية في ظروف صعبة من تشرد وفقر وبطالة حيث تنظر إليهم هذه الدول على أنهم عبء ثقيل.