عامر جليل إبراهيم
على يمين سدة الهندية في محافظة بابل، على بعد 30 كم شمالي محافظة كربلاء، تقع القنطرة البيضاء أو ما تسمى بـ (الجسر الأبيض)، بالقرب من نهر الحسينية، النهر الوحيد المتفرع من الفرات، التي يعود تاريخ بنائها إلى أكثر من 470 سنة، في زمن الحكم العثماني للعراق، عندما أمر السلطان العثماني آنذاك سليمان القانوني ببناء هذه القنطرة عند زيارته إلى مدينة كربلاء المقدسة في العام 1550م، ثم أمر بحفر نهر الحسينية بناء على مناشدة أهالي كربلاء وسادن الروضة الحسينية في ذلك الوقت.
مجلة “الشبكة العراقية”، ضمن سعيها الدؤوب للتعريف بالمعالم الأثرية الدينية والسياحية في العراق، زارت هذه القنطرة، حيث التقت منقبة الآثار في مفتشية آثار وتراث كربلاء، السيدة رجاء جهاد حميدي، التي حدثتنا عن هذا المعلَم بالقول:
“تقع القنطرة البيضاء في ناحية الحسينية، شرقي محافظة كربلاء المقدسة، على نهر الحسينية. ولفترة طويلة بقيت هذه القنطرة بوابة لمدينة كربلاء المائية، إذ كانت السفن المحملة بالبضائع والمواد الغذائية تمر من تحتها بعد دفع أجرة المرور، لتصل بعدها إلى قنطرة أخرى قرب باب بغداد كانت تسمى (أم حديبة).”
أصل التسمية
تضيف السيدة حميدي: “سميت القنطرة البيضاء بهذا الاسم نسبة إلى لونها الأبيض، ولكونها دلالة واضحة للوصول إلى مراقد الأئمة الأطهار في كربلاء. فضلاً عن بساتين النخيل الكثيفة التي تحجب رؤية المنائر. كما أطلقت عليها أيضاً تسمية قنطرة الإمام علي (ع)، لأن الروايات وكتب التاريخ تذكر أن الإمام علي (عليه السلام) في طريقه إلى حرب صفين، مر بكربلاء حيث شوهد وهو يقف متأملاً المدينة وما عليها من أطلال وآثار، وحين سئل عن السبب قال: إن لهذه الأرض شأناً عظيماً، فها هنا محط ركابهم وها هنا مهراق دمائهم.”
بناء القنطرة
تسترسل السيدة حميدي قائلة إن “السلطان سليمان القانوني كان قد أمر بحفر نهر يوصل المياه من الفرات إلى مدينة كربلاء، فأراد أولاً حفر وإحياء النهر القديم (شاطئ الفرات أو العلقمي)، ذلك النهر الذي حدثت قربه معركة الطف عام 61هـ، بين أنصار الإمام الحسين (ع) وجيش يزيد، لكنه وجده بعيداً، فاتجه إلى حفر نهر آخر يتجه بنفس الاتجاه، واستعان بالخبراء الفنيين، وحينذاك كان أكثر العمال من قبيلة جشعم الشمرية الساكنة في المنطقة، وكان حفر النهر يجري بالطريقة اليدوية المعروفة بـ (الحشر). وقد سمي النهر بالسليماني نسبة إلى السلطان سليمان، وبعد إكمال حفر نهر الحسينية قام السلطان بتكليف والي بغداد العثماني الجديد حسن باشا ببناء القناطر فوق النهر.”
إعادة البناء
تكمل السيدة حميدي فتقول: “جدد والي بغداد، المملوكي سليمان باشا الكبير، بناء القناطر بعد الغزو الوهابي عام 1803م، وفي عام 1824م دارت عليها معركة وطنية سميت بـ (واقعة الميراخور)، أو كما تعرف محلياً واقعة (المناخور)، بين العثمانيين وأهالي كربلاء، لأن هذه المدينة أعلنت العصيان وأصبحت تحكم نفسها بنفسها بعد قتل المتولي فتح الله خان، وبعده علي أفندي، وجرت محاصرة المدينة لفترة طويلة، ما اضطر الوالي العثماني داود باشا لقيادة الجيش العثماني لاحتلالها، ونتيجة لطول مدة المعركة والحصار، تهدم جزء كبير منها، كما جاء في كتاب (مدينة الحسين) لمحمد حسن الكليدار (ج3).
إعمار القنطرة
السيدة حميدي اختتمت حديثها بالقول: “بعد سنوات من الإهمال، تقررت إعادة إعمار هذه القنطرة، فقامت وزارة الدولة لشؤون السياحة والآثار، ممثلة بالهيئة العامة للآثار والتراث، بأعمال الصيانة للقنطرة، التي تساقطت أجزاء كبيرة منها بسبب تقادم الزمن والرطوبة وقربها من نهر الحسينية. وشكلت الهيئة لجنة لهذا الغرض تكونت من الآثاريين في محافظة كربلاء المقدسة. وقامت اللجنة بالمحافظة على الأجزاء الأكثر أهمية، تفادياً لانهيار القنطرة بالكامل، واستطاعت إعادة بناء أسس الجدران الساندة، على نفس القياسات القديمة. كما جرت أعمال الصيانة وفق المواصفات القديمة وبنفس مواد البناء القديمة، الطابوق الفرشي بقياسات 25×25×5سم، والجص الفني كمادة رابطة، إضافة إلى استخدام عمال بناء مختصين بالمباني التراثية.