الكاظمية.. ربَّةُ الجمال والقداسة

عادل مكي – تصوير: حسين طالب /

المدينة العريقة، خلابَّة المُحيا الجغرافي واستثنائية العمران المهيب، يحط الحمام على كتفيها آمناً مطمئناً، بينما تنهض هي بكامل سخائها الأنيق مرتدية الوشاح الأخضر، لتفتح ذراعيها بصدرٍ رحبٍ للقادمين بقلوبٍ منكسرة أملاً بالضماد وقضاء الحوائج الموجعة، أو المتلهفين على التبضع من أسواقها العامرة بالخيرات والبهجة، و(درابينها) المصقولة بالأصالة والتراث.
لم تقف ميزتها على عامل الجذب الديني المقدس فقط، وإنما حباها الله بالطبيعة الخلابة وهندسة العمران، إذ جذبت إليها أعداداً كبيرة من الزوار، من داخل البلد وخارجه، بعد أن اصبحت قبلة المدن بتاريخها الديني الإنساني الثرّ، فسكنتها طبقة امتهنت صياغة وبيع الذهب.
تجلس هذه الأيقونة المقدسة كأميرة في جانب الكرخ، أو الجزء الغربي لمدينة بغداد، وتغفو على الضفة الغربية لنهر دجلة، إذ تبعد عن مركز المدينة مسافة خمسة كيلو مترات، وترتبط مع منطقة الأعظمية بجسر الأئمة، وكانت قديماً ترتبط مع العاصمة بغداد بخط سكة حديدي توقف عام 1946. يحدها من الشرق نهر دجلة، ومن الغرب أراضي الغرابية، ومن الشمال منطقة التاجي، ومن جنوبها العكيدات، وتعتبر الثالثة دينياً بعد النجف وكربلاء، وأيضاً من ناحية كثافة البساتين والأسواق والمحال المختلفة، لذا فإنها مركز جذب سياحي ديني كبير، نظراً لوجود المراقد والمقامات الشريفة فيها، إذ تحتضن كل عام آلاف المعزين باستشهادِ الإمام الكاظم (ع)، تلك الذكرى الأليمة التي يحييها المؤمنون من كل أنحاء العالم الإسلامي.
والى جانب مرقد الإمامين، تزخر فيها مشاهد دينية كبيرة معروفة، مثل مشهد الشريف الرضي، ومشهد الشريف المرتضى، ومشهد أبي يوسف الأنصاري وجامعه، وجامع الجوادين.
اشتهرت هذه المدينة بملتقاها الثقافي العتيق وبأهم المكتبات العريقة، إذ أنها مدينة العلم والعلماء والشعر والشعراء، ففيها مكتبة الجوادين، ومكتبة مدينة العلم العامة، ومكتبة الإمام الصادق، ومكتبة المعارف العامة، ومكتبة الإمام الحسن، ومكتبة الشريف المرتضى، ومكتبة الشريف الرضي، ومكتبة جامع الهاشمي العامة، ومكتبة آل الأعرجي.
أما أشهر مقاهيها، فمنها: مقهى محمد علي الكاظمي، الذي يقع بجوار باب القبلة، ومقهى أم المري، لأنه كان مزيناً بالمرايا، ومعظم رواده من الأعيان، وقد أزيل هذا المقهى نهاية الخمسينيات، وهناك أيضاً مقهى (الكاشية)، ويقع داخل سوق الإستربادي، ومقهى البساتين، ومقهى سيد صادق الأعرجي، ومقهى اليهودي، ومقهى آل بنانة الشهير، ومقهى الجامعة، ومقهى الحاج نجم الدليمي، ومقهى الحاج ناصر.
أما أشهر محلاتها فهي: محلة الشيوخ، ومحلة الشريف الرضي، ومحلة عقد السادة، ومحلة التل، ومحلة الدباغ، ومحلة القطانة، ومحلة النواب، ومحلة الجعيفر، ومحلة الدوريين، والفحامة، والهبنه.
ومن أشهر بيوتات الكاظمية العريقة: بيت الإستربادي الذين يملكون سوق الإستربادي المعروف، وبيت السهيل، وبيت الجواهري، وبيت لبجة، وبيت الباير، وبيت الحاج عايد، وبيت العبسلي، والأنباريين، وبيت عدولة، وبيت الكاشية، وبيت الكاتب، وبيت السادة المدامغة، وبيت الدهوي، وبيت زيني، وبيت بنانة، وبيت الجمالي، وبيت الجلبي، وبيت الخالصي، وبيت آل ياسين، وبيت السعدي، وبيت السلطان، والخزرج، وشمر، والكثير من بيوتات العشائر العراقية الأصيلة التي امتازت بالكرم والسخاء والإيثار والالتزام بالتقاليد العربية الأصيلة. لذلك انطبق عليها القول الفذّ والفعل المؤصل في أن تكون المدينة الأم، الفاتحة ذراعيها بصدرٍ رحب لجموع الناس القادمين لزيارتها أو التبضع من كنف أسواقها وأزقتها التي لا تنام أبداً.