حسين رشيد/
قررت سمية النازحة من الموصل العمل لتبدو حياتها طبيعية ووضعت رقم هاتفها النقال واستعدادها لتجهيز من يرغب بالكبة الموصلية الشهيرة في اعلان رفعته على أطراف مدينة النجف الاشرف.
لم تتوقع سمية الاستجابة السريعة، اذ انهالت عليها الاتصالات بعد ايّام قليلة من نشر الاعلان واستفسارات المتصلين عن النوع وطريقة العمل ومستلزمات الكمية المطلوبة وعنوانها وكثرت الطلبات مما دفعها للاستعانة بنازحات أخريات لتلبية الطلبات التي أخذت تزداد يوما بعد آخر.
أعتاد أهل النجف ان تكون أكلتهم المفضلة التي أشتهروا بها (الفسنجون والسبزي) ويبدو ان الكبة الموصلية دخلت كمنافس قوي لهما واستحوذت على مقبولية الجميع في الأوساط والموائد النجفية لنكهتها وطعمها اللذيذ او لشهرتها وسرعة تقديمها للمائدة بعد ساعات التعب في اعدادها وتحضيرها..
نزحت سمية من مدينة الموصل بعد سيطرة داعش الارهابي على المدينة ولكونها المعيل الاول لعائلتها بعد ان فقدت زوجها في حادث ارهابي، وجدت أن عمل الكبة وتجهيز العوائل النجفية بها خير عمل يسد رمق عائلتها المكونة من ستة أطفال ووالديها الكبيرين في السن وشقيقها المعاق. تعمل سمية يوميا مع فريق عمل يتألف من 6-8 عاملات نازحات في إعداد الطلبات التي تصلهن يوميا من البيوت والمحال بل تعدى الامر ان بعض المطاعم الخاصة في مدينة النجف قد ادخلت الكبة الموصلية ضمن وجبتها الرئيسة (الفطور) والتي غالبا ماتكون من الآش والباقلاء بالدهن والمخلمة .
العوائل النجفية بدأت تعتاد على تناول انواع من الكبة المعدة في معامل المواد الغذائية فيما تقوم نسبة اقل منهم بتحضيرها في المنزل لكنها غالبا ما تقتصر على انواع مألوفة منها كبة التمن (المقلية) او كبة (الحامض شلغم)، اما الان فقد اصبح بامكان العوائل تناول مختلف انواع الكبة وبشكل خاص (الموصلية) منها المشهورة بحشواتها الشهية المكونة من اللوز والكشمش ولحم العجل العراقي والبهارات الخاصة التي حرصت سمية ان تكون قريبة من خلطة البهارات الموصلية الشهيرة …
المطبخ الموصلي المعروف بنكهة أكلاته لم يكتف بنشر الكبة بانوعها في مدنية النجف بل تعدى الامر الى اكثر من ذلك ليشمل اكلات ومنها (اللحم بعجين) بخلطة الموصل والباسطرمة..
وبعد نجاح تجربة سمية، قام مجموعة من الشباب النازح بافتتاح مطعم ( نينوى ) وهو خاص بالاكلات الموصلية وأصبح مشهورا بين أهالي محافظة (النجف الاشرف) بشكل سريع خاصة بين الشباب منهم الذين استذوقوا الاكلات الموصلية المشهورة، و يذكر ان غالبية العاملين في المطعم كانت لديهم مطاعم في سهل نينوى ويمتلكون الخبرة والكفاءة. واصبح للمطعم زبائن بشكل دائمي من أهالي المدينة واخرين من الزائرين الى مرقد الامام علي (ع) الذين وجدوا في المطعم نكهة خاصة حيث لم يعد يطلب من الزائر ان يأتي (بالدهينة) (والطرشي النجفي) فحسب بل اضيفت لهما اكلات موصلية شهيرة في دلالة على السمو العراقي بالتعايش السلمي بين المكونات والذي افشل محاولات الارهاب بقطع الأوصال الاجتماعية بين العراقيين والاندماج الكبير بين النازحين من الموصل مع النجفيين صورة ناصعة للواقع العراقي الذي نعرفه، بل ان الاستقرار الذي شعر به النازحون، ربما من بينهم من يفضّل البقاء في مدينة النجف الأشرف التي تستوعب كل الاتجاهات والثقافات والطوائف.