الكتابة على الجدران.. هل هي طريقة للتعبير عن الرأي؟

 وائل حمد/

هل سألت نفسك يوماً من يخط تلك الشعارات التي نراها على الجدران، والتي غالباً ما تكون مليئة بالأخطاء الإملائية، ومسيئة في أحيان كثيرة؟ ما الهدف من ورائها، ولماذا اختار كاتبوها الجدران وليس أي مكانٍ آخر؟

تلخيص التاريخ

بعضهم يجد أن تلك العبارات التي تراوحت خلال عقود، مابين «يسقط الوصي» ..الى «نريد الاصلاح»، والتي كتبت في فترات متعددة من تاريخ العراق، تلخص ماحدث في البلاد من تغيرات منذ نشأتها في عشرينات القرن الماضي الى اليوم.

ففي عهد صدام كانت تمنع ً الكتابة على الجدران. وكان يحكم على من يجرؤ على لصق «إعلان» على أحد الجدران بـ»الإعدام» إذا لم يحصل على إذن «الأمن» ويُتهم بأنه «عميل» لدولة أجنبية، طابور خامس، إسلامي، شيوعي، أما اليوم فإن المواطن يستخدم «صحافة حرة»، كما يصف مراقبون.

شعارات مابعد صدام

«ليسقط صدام الكافر ويحيا المؤمن بوش»، «الموت لجميع البعثيين». «الموت لأميركا» «عاشت الديمقراطية» هذه نماذج من شعارات كانت قد كتبت على الجدران بعد سقوط صدام. يقول سعد الكاظمي، صاحب مكتبة في باب المعظم معلقاً على تلك الظاهرة: «تريد أن تعرف ما يفكر فيه العراقيون؟

اقرأ ما مكتوب على الجدران».

ويعتقد الرجل السبعيني صاحب المكتبة، بأن العراق مر بمراحل متغيرة، وكانت الشعارات المكتوبة على «الحيطان» تمثل فترة محددة من تاريخ العراق.

ويتذكر الكاظمي كيف كتب شباب مجهولون على جدران المنطقة في العهد الملكي عبارات نددت بالوجود الأجنبي ومن ثم بالملكية ولاسيما الوصي عبدالاله، إذ يقول «كنا نعبر عن رفضنا للاحتلال بالكتابة على الجدران».

كتابات لاقيمة لها

لكن الموسوعي علي النشمي يرى أنها كتابات لاقيمة لها ومعيار للتراجع والتخلف، لاسيما أن معظم مايكتب «غير مهم».

النشمي يعتقد ،في حديثه مع مجلة «الشبكة»، أن «جذور الكتابة على الحيطان تعود الى زمن اللاورق». ويضيف أنها ظاهرة بدون قيمة، ومعظم الكتابات عبثية مثل «تسقط برشلونة تعيش مدريد». في إشارة منه الى التنافس الشديد بين مؤيدي فريقي الريال مدريد وبرشلونة الإسبانيين، الذي يظهر نتائجه على الحائط أيضاً.

كما يقلل النشمي من الشعارات السياسية المكتوبة على الجدران، لأنها وحسب رأيه آراء «هابطة « وتعتمد التشهير وسب الآخرين.

إرادة شعب..

تتنوع الكتابات على الحيطان في أفكارها المتغيرة وفقاً للفترة الزمنية التي كتبت بها، ويعتقد محمد سامي ،أستاذ التاريخ في كلية التربية بالجامعة المستنصرية، بأن الشعارات المكتوبة تمثل تاريخاً صادقاً على الحقب الزمنية التي مرت بها البلاد.

يقول سامي لـ «الشبكة»: «ربما تكون تلك العبارات أصدق من بعض الكتب التاريخية التي أراد كتابها من ورائها تزييف الحقائق وتحريفها، فيما يشير الى أن تلك الكتابات الجدراية «تعبير صادق عن إرادة شعب». فالكتابات التي كانت في فترة مابعد الحكم الملكي مثلاً، راحت تمجد بالزعيم عبدالكريم قاسم والخلاص من النظام الملكي «المترف» ، فعبارة «ماكو زعيم إلا كريم»، تشير في دلالة واضحة على بداية التمجيد لشخص من دون نظام، أو دولة، كما يقول الناشط المدني حارث الشبيبي، معتقداً أن «للشعارات المكتوبة آثاراً خطيرة لأنها تصل الى الكثيرين وتؤسس لفكر وثقافة جديدين».

رواسب الخوف

بدوره، يجد أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد علي الجبوري، أن الكتابة على الجدران هي إحدى قنوات «التعبير عن الرأي».

يضيف الجبوري قائلاً: «هذا النمط ينشط في أجواء تقييد الحريات وفي ظل الأنظمة الشمولية التي تمنع وصول رأي الجمهور الى الشارع والحكومة»، مستغرباً وجود هذه الكتابات في العراق مع فسحة الحرية وقنوات التعبير في وسائل الإعلام المختلفة.

إيجابيات الكتل الكونكريتية

هناك من يجد الكتابة على جدران خرسانية «نشازا» دمر شكل المدينة. كما يرى أن منظر «الكتل الكونكريتية» يثير الإحباط، فما بالك بالكتابة عليها؟ المهندس دلير عادل يقول إن هذه الكتابات «زادت في تشويه منظر العاصمة». ويرجح عادل أن الكتابة هي “تفريغ لشحنات شخصية لبعض الجمهور، وتحتمل الجانبين السلبي والإيجابي في المواضيع التي تتناولها”.

كلمات من القلب

يقول ماجد كريم (مدرس): «حتى الآن، بعضهم يخشى أن يقول شيئاً في الصحف، وأنا ما زلت خائفاً أيضاً من قول بعض الكلام أو التعرض لإحدى الجهات»، مضيفاً: «لكن في الليل، تحت جنح الظلام، يمكن أن تكتب ما تريد». كما ينصح كريم المسؤولين بـ «قراءة مايكتب على الحيطان ليتعرفوا على مزاج الجمهور». ويمضي المدرس كريم قائلاً إن الجدران «صارت أشبه بكلمات من القلب تبعث من دون رسول».

سجاد علي ،الساكن في مدينة الثورة، كان قد تخرج في كلية الآداب قبل سنوات ولم تحالفه الظروف في إكمال دراسته، يقول وهو يسند ظهره لحائط مليء بالشعارات: «قد استخدم هذه الأصباغ ذات الرائحة القوية في أحد الأيام لكتابة مايجول في خاطري على أحد الجدران».

ظاهرة عالمية

عاش العراقيون فترات متغيرة بعد عام 2003 لاسيما في اتفاقهم واختلافهم على الشخصيات السياسية، فتارة يرفعون أحدهم الى السماء وتارة أخرى يسقطونه على الأرض عبر كتابات متناثرة بين الأحياء. تقول حنان سعدي ،ناشطة في إحدى الجمعيات الخيرية في منطقة شرقي بغداد: «وجدت اختلافاً كبيراً على إحدى الشخصيات التي جاءت بعد عام 2003 ، فمرة ينعتونه بالوطني، ومرة أخرى باللص».

الكتابة على الجدران باتت ظاهرة موجودة في كل دول العالم ،كما تقول إحدى الناشطات في مجال حقوق الإنسان، لأن الإنسان في كل الأحوال يريد أن يعبر عما في داخله بأية صورة من الصور.