مصطفى الغراوي/
يوماً ما، سوف يصحو المجتمع على جيل من (الزومبي) يتلاعبُ دُخان الكريستال بكيمياءِ أدمغتهم ويفصلهُم عن الواقعِ بجرعةِ جرأةٍ توهمهم بالنسيان. يتطور الأمر فينتظمون في شبكاتِ دعارةٍ سريّة تصطاد ضحاياها من (كافيهاتِ) المراهقين والمُراهقات اللواتي ما إن يجري التأكد من حاجتهنَّ الماسة له حتى تبدأ عملية مقايضتهنّ بالجنس.
تعتبر مشكلة تعاطي المخدرات من أخطر المشكلات التي تواجه دول العالم كافة، والمجتمع العراقي خاصة، إذ إنها تهدد الأفراد والمجتمع على حد سواء، كما أن إيلاء المجتمع الاهتمام اللازم بهذه الظاهرة ونظرته الى الأشخاص المتعافين من تناول المواد المخدرة، يزيدان من حدة التداعيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية لديهم، لأن الكثيرين يقومون بإطلاق أوصاف ومسميات غير مناسبة على المتعافي، وهذا السلوك يعتبر أحد عوامل هدم الثقة لدى المتعافي بنفسه، لأنه يشعر بتدني قيمته الذاتية ويشعر بالخزي والخجل من ماضيه، وقد لا يطلب المساعدة خوفاً من أن يوصم من قبل مجتمعه بأنه كان يتعاطى ويستهلك مواد مخدرة.
مدمن مغترب
جدير بالذكر أن إدمان المخدرات لا يقتصر على سحب السموم، وإنما يفترض أن يكون أساس العلاج في التأهيل النفسي والنظرة الرحيمة لمصيبة المدمن كانسانٍ ضعيف بدلاً من الوصمة التي تعرف بأنها إطلاق أو إلصاق صفات ومسميات غير مرغوب فيها على الفرد المتعافي من الآخرين، على نحو يحرمه من التقبل الاجتماعي او تأييد المجتمع له، لأنه شخص مختلف عن بقية الأشخاص في المجتمع. ويكمن هذا الاختلاف في خاصية من خصائصه الجسمية او العقلية او الاجتماعية، التي تجعله مغترباً ومرفوضاً من المجتمع الذي يعيش فيه، لذا فإن النظرة غير السليمة للمتعاطي -او المدمن- ترتبط به منذ ظهور الحالات الأولى للإدمان بالسلوكيات غير المقبولة، كالنّصب والسلب والنهب والموبقات الأخرى، التي حتى إن اقلع عنها ستلازمه الوصمة ربما لفترات طويلة من حياته، ولاسيما في المجتمعات الشرقية
لا عودة إلى الحياة الطبيعية
الأفراد الذين يتعاطون هذه السموم لن يعودوا كما نتصورهم مطلقاً، فهم مشاريع جرائم وارتكاب فظائع لا يتخيلها بشر، لأن الانحراف الذي يمر به المتعاطي ربما يلازمه حتى بعد التعافي، ويكون وصمة دونية ومحط انتقاد، فضلاً عن احتمال تفكك أسرته وتشرد أبنائه والتقليل من كرامته الاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي يصبح عالة على أسرته والمجتمع. ومن خلال اللقاء بعدد من المتعافين من المخدرات وسؤالهم عن وضعهم بعد التعافي كانت ردة فعلهم حزينة وكئيبة، وتأثيرات وصمة المجتمع واضحة عليهم من الناحيتين النفسية والاجتماعية، بل وحتى الاقتصادية، إذ إن غالبية المتعافين لا يمكنهم ممارسة حياتهم بصورة طبيعية والعودة الى أماكن عملهم بسبب وصمة تعاطيهم السابق، كذلك فإن بعضهم لا يستطيعون الذهاب الى المصحات العقلية، ويشكون من عدم مقدرتهم على الذهاب للعلاج بسبب خوفهم من معرفة الناس لهم، وبالتالي عدم تقبلهم والابتعاد عنهم حينما يتجنبون التواصل معهم.
التوعية والقبول الاجتماعي
لذلك، لابد من أن تكون هناك ورش وندوات لوضع أسس صحيحة تهدف الى الحد من، او القضاء على الوصم بمختلف أشكاله، وعلى وسائل الاعلام المختلفة ومنظمات المجتمع المدني أن تأخذ دورها في توعية وتثقيف أفراد المجتمع بتبديد تلك المشاعر لدى المتعاطين سابقاً، كذلك حث المؤسسات كافة باعتماد الخطاب الذي يدعو للتعايش وتقبل التعامل مع الآخرين، وضرورة ان تكون هناك برامج إرشادية للتقليل من ذلك الشعور لدى المتماثلين للشفاء، فضلاً عن توعية المتعاطين بضرورة الذهاب الى المراكز العلاجية، كما يمكن أن تلعب المؤسسات الثقافية والإعلامية والدينية دوراً مهماً في هذا المجال عبر جهود التوعية ضد المخدرات، وفي الوقت ذاته تعزيز القبول الاجتماعي للمتعاطين والمتعافين، وذلك بالإشارة الى مبدأ الوعي بأن الله سبحانه وتعالى يقبل ترك التعاطي والتوبة، فكيف يرفضها الناس؟
وفي الختام.. فإن صفة الوصم ظاهرة تتجلى في الكثير من نواحي السلوك الإنساني، وهي ليست ظاهرة من المستحيل علاجها فيما لو توفرت الظروف والجهود العملية الواعية والكافية والبرامج الصحيحة التي يضعها الخبراء والمختصون في هذا السياق.