أنسام الشالجي/
في الفيلم المصري (ولاد رزق) انتاج 2015، يتساءل رئيس عصابة لتهريب المخدرات “هل تعرفون لماذا قامت الثورة؟” ويجيب نفسه “لان المخدرات اختفت وبدأت الأدمغة تعمل لتفكر الناس بالواقع”..
تذكرت تلك النكتة السوداء في “الفيلم “وأنا اقرأ صرخة الاستغاثة القادمة من البصرة التي اطلقها رئيس قسم الصحة النفسية في مستشفى البصرة مطلع العام 2016 ونشرتها وسائل الاعلام مطالبا بـ” انشاء مركز تخصصي لمكافحة المخدرات في المحافظة بعد رواج تعاطي مادة الكريستال المخدرة”. وفي بلد كان منشغلاً في بناء أجهزته الأمنية وجد تجار المخدرات مرتعا خصبا لتجارتهم، ومع إنشغال هذه القوات بمواجهة أقسى هجمة إرهابية، بات العراق سوقاً مفتوحة لمختلف أنواع المخدرات. وبرغم الاعلان على مدى السنوات الأخيرة القبض على عصابات تهريب المخدرات ومن بينها مادة الكريستال، يبدو أن العراق الذي كان خاليا تماما من المخدرات، تجارة وتعاطيا، قبل 2003 قد تحول بعد هذا التأريخ الى ممر في البداية ومن ثم الى الترويج والبيع وبدأت أعداد المدمنين تتزايد سنة بعد أخرى، وهذا ما حذرت منه الأمم المتحدة.
تحذير ولكن!
في 25 آب 2003، أشار فريق الأمم المتحدة لتقصي الحقائق الخاصة بالجريمة المنظمة في العراق في تقريره الى انتشار جرائم تهريب النفط والنحاس من خلال عصابات متخصصة وارتفاع في جرائم الخطف والقتل، ولم يجد الفريق في حينه، أن المخدرات مشكلة عاجلة في العراق، لكنه اشار بسبب موقع العراق الجغرافي الى احتمال أن تشكل قضية حقيقية (قريبا) والسبب كما اورد التقرير حاجة النظام القضائي العراقي الى تعديلات جذرية لمواجهة الجريمة المنظمة وتهريب المخدرات.. ويبدو أن القائمين على الأمور حينها والسنوات التي تلت لم يهتموا كثيرا بالتقرير. وبسبب العنف المستمر والظروف الأمنية لم يبق العراق ممرا فقط، انما أصبح مستهلكا أيضا.
أطفال الشوارع
جولة واحدة في بغداد، خاصة في مناطق البتاويين والباب الشرقي والمقاهي في الكرادة والمنصور، ستكشف انتشار ظاهرة المدمنين، خاصة بعد ساعات الغروب، وطبعا هذه الحالة موجودة في المحافظات أيضا وبنسب متفاوتة.
وتختلف أنواع المخدرات من الكبسولات والحشيش والهيرويين والمورفين الطبي والأدوية التي من المفترض ألا تصرف إلا بأمر الطبيب وهذه أنواع مكلفة ولكن ليس كتكلفة مخدر الكريستال المصنع كيمياويا، الذي يعادل سعر الغرام الواحد منه أضعافا عن المواد الأخرى كما هناك أيضا أنواع الصمغ، خاصة السيكوتين القوي الذي يشمه أطفال الشوارع كأرخص أنواع المخدرات.
ضحية الكريستال
(م.ح)، شاب في التاسعة والعشرين من عمره، تحدث بألم كبير عن تجربته مع المخدرات، خاصة الكريستال الذي أخذ اسمه من شكل حبيباته التي تشبه الكريستال المهشم، يعد من أشد أنواع المخدرات فتكا بالجهاز العصبي. كان والده قد اشترى له سيارة حديثة وشيد له منزلا في منطقة معروفة، لكنه باع كل ما يملك ليصرفه على شراء الكريستال، والآن يسكن مع عائلته، زوجته وطفليه، في مشتمل مؤجر وقد وعده والده أن تمكن من العلاج أن يمد له يد المساعدة ثانية، وهو في حالات يقظته القليلة يبكي ويقرر الكف عن تعاطي الكريستال الذي يعود إليه في كل مرة والسبب عدم وجود مصحات وعدم وجود كوادر صحية متقدمة ومتوسطة لعلاج حالات الادمان المتطورة. وفي ملفات الشرطة، قضايا أكبر من قضية (م..ح)، فهناك جرائم قتل واغتصاب وسرقة بسبب الادمان على المخدرات.
طالبة جامعية
مؤخرا، نشرت وسائل الإعلام خبرا يفيد بإلقاء القبض على طالبة جامعية متلبسة ببيع كبسولات مخدرة داخل الحرم الجامعي، لكن ليس هناك من إشارة بعد هذا الخبر الى من كان وراء نشاطها ومتى بدأته.. الخبر الوحيد كان نفي رئيس جامعتها (جامعة أهلية) خبر إلقاء القبض على الطالبة داخل الحرم الجامعي قائلا أن ” الحرم الجامعي لم يشهد مثل هذا الحدث، لا علم لنا بوقوعه خارج الكلية “.. وبرغم نفي الخبر الا ان (لا دخان من غير نار) خاصة أن الخبر نشرته وكالة عراقية معروفة بصدقيتها نقلا عن مصدر في الشرطة.
وفي السنوات السابقة، أشار ناشطو مجتمع مدني الى انتشار المخدرات في المدارس والجامعات وسط غياب شبه تام للاجراءات الحكومية الرادعة.
مافيات
هناك ملفات عن اناس فاسدين لا تهمهم سوى جيوبهم يقومون بادخال المخدرات التي تشكل أحد أسرع أسباب الثراء غير القانوني، وهم عصابات وشبكات معقدة الارتباطات، وتشير ملفات الشرطة الى اكتشاف مزارع في محافظات جنوبية وشمالية للقنب الذي يستخرج منه الحشيش، والسبب مرة أخرى هو الثراء السريع، وفي حال عدم اكتشاف المزرعة، فان مظاهر الثراء السريع على صاحبها يغري الآخرين بتحويل مزارعهم الى زراعة القنب، خاصة في ظل الاهمال الدائم للزراعة الذي جعل الفلاح وأصحاب المزارع دون عمل يدر عليهم بما يكفي المعيشة. وقطعا هذا ليس مبررا لزراعة القنب لاستخراج الحشيش وترويجه، لكن إهمال الاهتمام الرسمي بالزراعة جرس إنذار لابد من الانتباه إليه.
صلاحية نافذة
يؤكد ناشط مدني لـ”الشبكة” رفض ذكر اسمه إن تعاطي المخدرات بين أوساط الطلبة في المدارس والجامعات بات ملحوظا، لكنه لايشكل ظاهرة حتى الآن وكي لا يتحول الى مشكلة حقيقية، لابد من معالجة الأسباب والبحث عمن يقف وراء المروجين والباعة. وأضاف أن المشكلة أصبحت حقيقية عند أطفال الشوارع والباحثين عن النشوة ـ قصيرة الأمد ـ التي تجعلهم لسويعات ينسون الظروف التي يمرون بها، خاصة العاطلين عن العمل والذين لا يقدرون على مواجهة متطلبات الحياة فيلجأون الى الكبسلة التي تشكل أرخص أنواع المخدرات، وهي لا تختلف في تأثيراتها الصحية عن غيرها وأحيانا تكون أشد فتكا حين يكون تأريخ صلاحية الكبسولات نافذة.
مواجهة المشكلة
لاشك هناك ندوات تقام في كليات الطب ومنظمات المجتمع المدني لمواجهة هذه المشكلة ولكنها لا تزال دون حجم الخطر. وللقضاء على أية مشكلة لابد من القضاء على أسبابها وليس نتائجها وحدها، ويبدو إن الانشغال بالقضاء على العنف المستمر في محاولة لاسترجاع الأمن يأخذ مساحة كبيرة من جهود الأجهزة الأمنية، إلا أن تفاقم المشكلات الأخرى مثل المخدرات، يمكن أن يكون سببا مهما في استمرار العنف، فالمدمن على استعداد لارتكاب أية جريمة من أجل الحصول على المال لشراء المخدرات. المشاكل الخطرة كلها مترابطة ومرة أخرى لابد من القضاء على الأسباب من خلال معالجتها، وطبعا في المقدمة دائما الفساد الذي لابد من مواجهته بجرأة كخطوة أهم لمعالجة المشاكل التي يواجهها العراق.