الماء..ارحموا أرخص موجود.. وأغلى مفقود

إياد السعيد/

في بلد لا تنضب مياهه ولا يشكو من شح المياه توجد ثقافة لترشيد استهلاك الماء وكل الثروات بما يشبه القوانين والنظام المتوارث، شدّني منظر في أنقرة لأحد الشباب وهو يغسل سيارته بعشرين لترا من الماء في (جلكان) مع (قطعة إسفنج وسطل فارغ فقط)، فاقتنصتُ الصورة لعلي أبعثها رسالة إلى مجتمعنا الذي لا يعرف قيمة الماء إلا بعد حدوث الكارثة التي تزحف إلينا ببطء لنصل إلى مرحلة استجداء المياه أو الهجرة إلى بلدان أخرى يتوافر فيها وبذلك ينهار بلدنا بالكامل.
حالات عديدة ومتنوعة أصبحت تشكّل ظاهرة مؤكدة وملحوظة وربما لكثرتها فهي في عداد العادات المجتمعية المتوارثة التي تطبّع عليها العراقيون وهم يصفون تبذيرهم بالكرم في كل المواضع ما يتطلب تسليط الضوء على هذه الممارسات التي أثقلت كاهل المواطن بالمعاناة وللأسف هو من صنعها بلا دراية، فالاستهلاك الجائر والعبثي للماء مثل غسل السيارة والرصيف والرش اللامبرر واستخدامه في ورش غسل السيارات والمطاعم والمنازل هو الخطر الحقيقي الثاني بعد جفاف الأنهار؛ فالاول سياسي والثاني مجتمعي.
ترشيد الاستهلاك
التقيت بصديقي العائد للتو من ليبيا وتحدثتُ له عن مشاهداتي خارج العراق وكيف يهتم المواطن بالحفاظ على الماء كثروة رغم غزارته؛ فسرد لي مشاهداته هو أيضا: قضيت ما يقرب من العشر سنوات في عملي متنقلا بين مدن وقرى في الصحراء القاحلة الجافة وقولبتُ حياتي مثل أهلها على ترشيد استهلاك الماء الذي أسحبه من خزان المياه الاسمنتي المسمّى (فسقية) تجمع فيه مياه الأمطار خلال الموسم لاستخدامه في الصيف إذ يحدلون مساحة واسعة من الأرض تحيط بهذا الخزان لينساب ماء المطر بزاوية ميل معينة نحوه، وهذا بسبب شح المورد المائي لديهم ويشعرون بقيمته، أما في العراق فضحك جاري واستهزأ بي حين نصحته بعدم التبذير.
أم صادق أرملة كلّفت عاملا لنصب خزان ماء ثانٍ على سطح منزلها سألتُها: لماذا؟ أجابت: أنا خائفة من هذا الصيف فقد يشح الماء وربما يُفقد نهائيا لذلك هذا احتياط لعدة أيام ثم بعدها نهجر المنزل إذا يئسنا تماما !!.
نعم فليس أدلّ على خوف المواطن إزاء أزمات الماء المقبلة من نصب مضخات سحب الماء في منازلهم (ماطورات الماء).
غسل السيارات في الشوارع
من خلال مروري اليومي ضمن منطقتي اتحسّر ولكنّي لا استطيع التحدث مع صاحب دار بمساحة 300 متر مربع على ركنين وقد تجاوز على كل الرصيف المحيط بسياج حديدي ارتفاعه 2 م ومستغلا مساحة للتشجير أمام داره ( 600م مربع تقريبا).
مدّ لها أنبوبا غليظا للماء من داره ليغسل سياراته مع أولاده ثم يغسل هذه المساحة كلها يوميا لأنه استولى عليها كمنتجع خاص له !!، ولك أن تقدّر كمية الماء المهدور عبثا، انتهاك صارخ لحقوق الآخرين في التربة والماء.
منزل آخر في الشارع ذاته أرى يوميا خادمة أفريقية تغسل الدار ومحيطه وحتى الجدران دون أي شعور بكمية الماء المهدورة ولا بما تسببه من خراب للشارع المعبَّد او مضايقات للمارة !! .
ممارسات خاطئة في استهلاك هذه الثروة الحيوية وانتهاكات علنية وواضحة لا أعلم كيف تسكت عنها الجهات التي من واجبها توفير الماء والمحافظة عليه!! فهل ثمة إجراءات رقابية او ردعية بحق المتجاوزين والمبذرين وسالبي حقوق الآخرين ؟ وهل ثمة جهدٌ إعلاميٌ توعوي تجاه هذه الممارسات ؟ أو تحذير بخطرها؟
همومنا نقلناها إلى دائرة الماء في أمانة بغداد عبر مكتبها الإعلامي فاختصرنا إجابة حكمت عبد المجيد معاون المدير العام بالتالي: بشكل عام هناك هدر في الماء الصافي بنسبة 29% ضائعة بين النضوح وكسر الأنابيب واستهلاك جائر وهدر في الورش والمنازل إذ إن حصة الفرد الواحد ضمن 8 ملايين نسمة في بغداد هي 500 لتر يوميا في حين يترواح المعدل العالمي 250-300 ل/ي لذا يفترض بالمواطن أن يكون له علم بهذه الضائعات والكارثة التي ستحلّ إن استمر الوضع بهذه الصورة لأنه هو الهدف والأداة.
مقترحات
لا أظن أننا بطرفينا الرسمي والشعبي قد وعينا هذه المخاطر ولا حتى الإعلام قد فكّر مليا بما سينتج عن ذلك مستقبلا، لذا أطرح أمام الرأي العام والمسؤولين بضعة مقترحات للحفاظ على ما تبقى من هذه الثروة ولديمومتها:
• الارتقاء بوعي المسؤولية من خلال حملات وطنية مستمرة للتوعية باستخدام أساليب تسويقية مؤثرة وليست مجرد إسقاط فرض وظيفي كما حدث في الحملات السابقة.
• إلزام ورش غسل السيارات والمولدات الضخمة ومعامل الثلج بعمل حمامات تدوير الماء المستخدم وليس هدره مع مياه المجاري كما يحدث الآن.
• الاستماع إلى آراء المواطنين بمبتكرات وأفكار جديدة للحفاظ على هذه الثروة من خلال الاستهلاك الرشيد.