يوسف المحسن – رسوم/ عامر آل جازع/
كبرت المدن واكتظت القرى واتسعت المساحات المأهولة بالسكان، لكن هامش الحركة عند الإنسان في تراجع أكبر، إذ إن انتشار وسائل النقل وتوافر التقنيات الحديثة أسهما -الى حدٍ بعيد- في الركود الجسماني الذي يتحول يوماً بعد آخر إلى سلوك مجتمعي لإنسان القرن الـ 21.
مكورات لحمية!
عشرة ملايين سيارة يتعاقب عليها أربعون مليون عراقي، المشهد الغالب في المدن العراقية هو التنقل بالمركبات من مكان الى آخر، أما استخدام القدمين فلا يتعدى عتبات الأبواب، أو الذهاب الى دورات المياه والعودة منها. الدراسات رصدت انخفاض معدل دقائق السير الراجل لدى الإنسان بشكل كبير، ذكراً كان أم أنثى، في وقت ازدادت فيه معدلات السمنة واستدارة البطون بشكل أكبر.
واقع يفرضه دخول الآلات والتقانات والأدوات على اليوميات، اما ارتفاع أرقام الإصابة بأمراض القلب والشرايين، وتلك المرتبطة بالجهازين المناعي والتنفسي، فلا ينكرها الأطباء وإن كانت تمثل رواجاً لتجارة الكثيرين منهم. ووسط تعقد ملفات الحياة وحضور الهواتف الذكية والألعاب والدروس الإلكترونية، فلا أمل يُنتظر بعودة نشاط وحيوية الأجسام.
استفاقة ومحاولات تثقيفية
اليوم العالمي للمشي الصحي هو فعالية ومناسبة للإقرار بحقيقة وجود مشكلة خمول أو بدانة بأنواعها عند إنسان اليوم، وهو تذكير بأهمية المشي الصحي وانعكاساته الإيجابية على صحة الفرد البدنية والنفسية والاجتماعية، كما أنه واحد من فعاليات كثيرة تتبناها مؤسسات حكومية ومنظمات مجتمع مدني لزيادة الوعي بمخاطر الخمول والبدانة على الإنسان وإنتاجيته وحضوره ودائرة تأثيره الاجتماعي.
في مدينة السماوة، التي ارتفعت فيها أعداد المركبات من أربعة آلاف مركبة في العام 2003 الى مئة ألف مركبة في العام 2024، نظمت مسيرة راجلة شارك فيها المئات من تلاميذ وطلبة المدارس، إحياءً لليوم السنوي للمشي الصحي، وهي الفعالية التي تأخر الاحتفال بها بسبب تزامنها مع شهر رمضان المبارك الفائت. الأطفال حملوا لافتات تحث على العودة الى السلوك البدني وزيادة الاعتماد على القدمين وممارسة رياضة المشي بشكل منظم، بعض آخر من الأطفال حملوا الورود والأزهار، في اشارة الى أهمية الأماكن والمساحات الخضر وتأثيرها في صناعة البيئة الحياتية السليمة والصحية.
المدير العام للتربية (رياض رحيم)، الذي شارك في المسيرة الراجلة والفعاليات التي أعقبتها، التي أقيمت في (متنزه الوردة) وسط المدينة، قال إن “تعليمات صدرت الى إدارات المدارس والمعاهد وإلى الأسرة التربوية تدعوهم للمشاركة في الجهود التثقيفية بأهمية المشي الصحي.” مضيفاً أن “تعليم الأطفال والتلاميذ الأسس الحياتية السليمة يساعد في تحويلها الى ثقافة وسلوك مجتمعي ينمو معهم ويصبح جزءاً من أسلوب الحياة.” رحيم أشار في تصريح لـ (الشبكة العراقية) الى أن “الاستمرار في العمل التثقيفي وتنظيم الفعاليات والأنشطة هو الأساس الذي يضمن الوصول الى مجتمع وأفراد بمواصفات بدنية وذهنية سليمة.”
سيارات ودراجات نارية ووقود رخيص
يستورد القطاع الخاص في العراق سنوياً ما يقرب من نصف مليون مركبة ودراجة نارية جديدة، في موازاة انخفاض أسعار الوقود بالمقارنة مع السوق العالمية، كما يعتمد غالبية السكان على هذه المستوردات في التنقل، حتى للمسافات القريبة. عن ذلك يقول مدير البيئة في المثنى المهندس (يوسف سوادي) إن “وجود أعداد هائلة من محركات الاحتراق الداخلي التي تنفث العوادم في الشوارع، يؤثر بشكل كبير على البيئة ويتسبب أيضاً في انحسار النشاط البدني للأهالي.” سوادي أضاف أن “دائرته تشجع الموظفين وأصحاب الأعمال على استبدال المركبات بالدراجات الهوائية التي تؤمن النشاط الحركي المطلوب للإنسان، التي لا تمثل تهديداً للبيئة، هذه الأفكار التي نجحت في مدن أوربية مثل أمستردام الهولندية تحتاج الى برنامج وخطة عمل تشترك فيها جهات عدة، إذ لا حلول أخرى تعيد المحتوى البيئي والقوام الجسماني الى ما كان عليه قبل خمسين عاماً سوى التشجيع على المشي الصحي وتحويله الى ثقافة مجتمعية.”
معلوم أن الأهالي يتندرون ويطلقون على التنقل سيراً عبارة (11مثنّى).