ذوالفقار يوسف – تصوير: علي الغرباوي /
يشتري (تحسين) الكثير من الأحذية في فصل الصيف، ولأنه دائم العناية بأناقته ومظهره، يحاول قدر استطاعته أن يعطي ما يرتديه حقه بشكل مثالي، إلا أنه لا يثق بفصل الشتاء قط، ففي رأيه أنه موسم الحرمان من التأنق، أو على الأقل موسم عدم المحافظة على نظافة الملبس، ليكون تحسين غير مخيّر أمام هذا القدر الذي حرمه من أن يكون كما يحب.
يقضي غالبية العراقيين أيام موسم الشتاء في خوف وترقب، يراقبون أحوال الطقس تارة، ويتحضرون لما هو آت تارة أخرى، فالقادم مخيف، ولا نقصد بذلك السيول التي تحول السيارات إلى مراكب في الشوارع، أو الأعاصير التي تقلع المنازل من أساسها، لكن كل ما في الأمر أنها تمطر في العراق!
رقص ولكن
تبتكر (أنسام الربيعي – 45 عاماً) العديد من الحلول لتجنب مآسي الشتاء وماترافقه من مشكلات، إذ أن هذا الفصل في العراق ليس كما في الدول الأخرى، وذلك بسبب انعدام البنى التحتية، إذ لا منظومة جيدة لتصريف المياه تتحمل كمية الأمطار، ولا شوارع مخصصة تستوعب المياه، ما يجعلها تغرق البيوت والشوارع بلا استثناء. الربيعي تعطي من خلال مجلة “الشبكة العراقية” بعض الحلول لتجنب هذه المشكلة التي تواجه منزلها كلما حل فصل الشتاء فتقول: “لقد نقلت جزءاً كبيراً من أثاث منزلي إلى الطابق الثاني، وبالأخص الأجهزة الكهربائية التي تكون معرضة للعطب بسبب المياه”. وتردف “إن أساس منزلي ذو بناء قديم، فهو أقل علواً من الشارع، وذلك ما يجعله مهدداً من منظومات الصرف الصحي، والشارع أيضاً، عندما تمتلآن بمياه الأمطار، فرشق السيارات المارة من أمام منزلنا يجعل مياه الأمطار تدخله كالأمواج.”
تبتسم أنسام بسخرية وتختم حديثها “كنت أتمنى منذ صغري أن أرقص تحت المطر، كما نشاهد في الأفلام والمسلسلات، وذلك ما أفعله كلما يغرق منزلي بسبب المطر!”
فيض من “فيض”
وبين رقصة أنسام والقنوات التلفزيونية ومواقع التواصل الاجتماعي التي تضج بأخبار صادمة تجعل الحسرات تتراقص في أعماقنا بسبب تعرض العديد من المواطنين للموت بسبب الصعقات الكهربائية، إذ لم يكن المطر هو المهدد الوحيد للحياة في هذا الموسم، فأعمدة الطاقة الكهربائية هي الأخرى تشارك الشوارع والمنازل بالغرق. ومع سوء هذه المنظومة في البلد فإن المطر جعل منها موصلاً جيداً للطاقة الكهربائية من الأعمدة إلى المواطن. (سلوان العتابي) تطوع بنفسه ليطوق ويغلف كل أعمدة الطاقة الكهربائية في الشارع الذي يسكن فيه بعوازل، خوفاً على الطلبة والمارّين من الصعقات الكهربائية. يقول العتابي: “ليست هناك خطط من قبل الحكومة في إعادة تأهيل هذه المنظومة، لتلحق بها خطوط المولدات الأهلية التي ترافق الطاقة الكهربائية الوطنية في هذا الجانب، لتجعل الموسم مثيراً للخوف على الرغم من أنه عُرف بموسم الخير.”
يوجه سلوان مناشدته -عبر منبرنا- بضرورة المحافظة على أرواح المواطنين، ولاسيما الطلبة، فهم في رأيه أطفال لا يمتلكون الوعي الكافي لتجنب خطر هذه الأعمدة، وينتفض قائلاً: “لا أطلب توفير موطئ قدم نظيف لطلبتنا عند ذهابهم إلى مدارسهم، المياه والطين والأوساخ أقل خطورة في تهديد حياة أطفالنا من الصعقات الكهربائية، فنحن نقنع بالقليل، وكما يقول المثل الشعبي (حياته غناته).”
استثناء
وبما أن صيف العراق اللاهب الطويل هو المحفز الأول في تمني مجيء الشتاء، لذا صار غالبية العراقيين يتوددون إلى هذا الموسم كلما أقبل عليهم، على الرغم من سلبياته ومنغصاته العديدة. الجفاف هو الآخر يجعلنا نصمت أمام ما يفعله هذا الفصل بنا، فنحاول قدر الإمكان ألا نذمّه حتى بالصمت، علّه يطيل الوجود. (تحسين الشمري -44 عاماً) أحد الحالمين بعراق بلا صيف، ولأن عمله يستوجب الوقوف من الصباح الباكر أمام شمس العراق الحارقة، فهو يفضل أن تغرقه سيول الشتاء على أن يتعرض للشمس. يؤكد الشمري أنه “رغم النقم المتعددة في فصل الشتاء إلا أنني أتمنى أن يستمر بحضوره، ففيه أستطيع أن ارتدي الملابس التي تحميني من البرد، إلا أني لو خلعت جلدي في الصيف فسوف لن استثنى من شمسه الحارقة وحرارتها التي لا تحتمل.”
ما له وما عليه
وحتى تصل ضمائرنا إلى المبتغى، لا نستطيع أن نذم هذا الموسم وماله من فوائد جمّة على البشرية جمعاء، ورغم كل المشكلات التي تأتي معه، لابد لنا من الاعتراف بأهميته، إذ أن الماء في النهاية هو سر الحياة، فلا حياة بلا ماء، لكي تنهض الزراعة وتخضر البساتين وتغسل السماء البلد وساكنيه، عنوان سرمدي لا مناص منه، وهو أن المطر واجب الأهمية لكل بلد، ولابد من الاستفادة من مياهه، إذ أن واحدة من أهم أزمات البلد هي أزمة المياه، والخلافات المتكررة مع الدول الإقليمية في توريد المياه إلى العراق، لنجد أنفسنا وقد فتح الجفاف فاهه ليبتلعنا.
مستشار وزير الموارد المائية الأستاذ (حسن الصفار) يبين أهمية مياه الأمطار الساقطة هذا العام إذ يقول إن ” الأمطار التي سقطت في عامي 2022-2023 جرت الاستفادة منها في إنعاش الأهوار وتغطية الريّتين الأولى والثانية للمحاصيل الشتوية البالغة مساحتها المزروعة مليونين ونصف المليون دونم على جانبي دجلة والفرات، إضافة إلى تحسين بيئة شط العرب ودفع اللسان الملحي، فضلاً عن خزن المياه في السدود والخزانات الموجودة في الجانب الشرقي من العراق، مثل سدود الشهابي وبدرة والوند، إضافة الى خزين مناسب في سدي العظيم وحمرين.”
كما يوضح الصفار أن ” الأمطار التي سقطت في المنطقة الغربية غطّت الريّتين الأولى والثانية، وكذلك جزءاً من الريّة الثالثة، وشملت أيضاً بادية السماوة بإنعاشها المياه الجوفية وتحسين مناسيب الآبار في تلك المساحات التي تقدر بحدود الأربعة ملايين دونم في عموم العراق.”