ريا عاصي /
جوبهت حملات التطعيم في العراق برفض شعبي كبير وتشكيك بفاعلية اللقاح، ناهيك عن آثاره الجانبية، وانتشرت على نطاق واسع شائعات على أنه أحد أدوات الدول الرأسمالية لحلب الشعوب، وربما السيطرة عليها.
لكن سرعان ما أثمرت الحملات التوعوية والمناشدات الدينية عن تغيير في قناعات الناس، نجم عنه إقبال غير متوقع للحصول على اللقاحات.
اللقاح سلاح
أطلقت وزارة الصحة العراقية في شهر شباط الماضي منصة إلكترونية يمكن للمواطن التسجيل فيها لضمان حصوله على اللقاح بتحديد موعد له حسب الرقعة الجغرافية التي يقطن فيها، وكانت الأفضلية لكبار السن وللمصابين بالأمراض المزمنة وأمراض الحساسية وعجز الجهاز التنفسي، فيما استبعدت السيدات الحوامل والمرضعات من أخذ اللقاح لعدم وجود قاعدة بيانات واختبارات سريرية كافية حول التطعيم ومخاطره عليهن، قبل أن تعيد الوزارة النظر في قرارها وتسمح لهن بالتطعيم.
(إيمان خليل)، المنتسبة في أحد مراكز التطعيم في بغداد الكرخ تقول: “في آذار الماضي لم يحضر للتطعيم غير قلّة قليلة من المواطنين العراقيين أغلبهم من كبار السن وذوي الأمراض المزمنة، إلا أن الأعداد تزايدت في شهري نيسان وأيار كثيراً، حتى أن المركز صار يعج بالمراجعين داخل المبنى وفي الحدائق وحتى عند البوابة، وتمكنا من تطعيم الجميع بالرغم من قلة الكوادر.”
اللقاح يخفف الإصابة ولا يمنعها
الدكتورة (رغد السهيل)، أستاذة الأحياء الدقيقة بكلية العلوم في جامعة بغداد، لديها جملة من النصائح للناس بشأن مكافحة المرض وضرورة أخذ اللقاح، وقد نفت لـ”لشبكة” تراجع انتشار الفيروس، إذ ما زال الفيروس نشطاً، لكن عدد الإصابات انخفض بسبب قلة عديد الاختبارات، وإلا فإن نسبة الإصابات إلى العدد الكلي للاختبارات تتجاوز ١٠٪، وهذه نسبة مرتفعة، ووصلت في الآونة الأخيرة إلى ١٣٪، وما يهمنا هو أن ينخفض انتشار الفيروس، بصرف النظر عن عدد الإصابات التي تتحكم بها عوامل عدة.
تصيف السهيل: “أشجع الناس على أخذ اللقاح بجرعتيه والتمسك بالكمامة، فاللقاح يقلل من حدة الإصابة ولا يمنعها.”
في هذا الصدد، كان مدير معهد الحساسية الأميركي السيد (أنتوني فاوتشي) قد صرّح بصدد لقاح فايزر، الذي تعاقدت وزارة الصحة على شراء أربعة ملايين جرعة منه في شهر نيسان الماضي: “يبدو في الوقت الحالي أن اللقاح أفضل في حماية الإنسان من العدوى، مقارنة بالإصابة الطبيعية.”
ودعا السيد فاوتشي إلى أخذ اللقاح حتى للمصابين بعد تعافيهم وانخفاض نسبة الجسيمات المضادة في أجسامهم، إذ قال: “أثبتت الدراسات أن المتعافين من الإصابة بمرض كوفيد 19 هم ليسوا محصنين من الإصابة مرة أخرى، ولاسيما بعد ظهور سلالات عدة من كورونا، لذلك نوصي بأخذ اللقاح للتخفيف من الإصابات وأعراضها.”
فيما يقول الدكتور (أحمد مشتت)، الطبيب في المستشفى البريطاني “إن 4% فقط من العراقيين تلقوا اللقاح المضاد لكوفيد 19 بجرعتيه، وفق أرقام موقع Covidvax المتخصص بتسجيل بيانات متلقي اللقاح في العالم.”
ويضيف الدكتور مشتت لـ”الشبكة”: “تتوقع أرقام الموقع وبياناته، استناداً إلى الوتيرة الحالية للتلقيح في البلاد، أن يصل العراق إلى نسبة 70% من تلقيح سكانه في عام 2075″ إذا ما استمرت نسب التلقيح اليوماة على ما هي عليه الآن. ”
وأعرب عن قلقه إذ قال: “المقلق في فايروس كورونا أنه يتحور باستمرار كلما سُمح له بالانتشار، وهناك خطر كبير أن المتحورات قد تقلل من فعالية اللقاحات.”
وتابع مشتت: “أميركا لم تصبح خالية من مرض الحصبة إلا عام 2000 بعد أن بدأت بتوزيع اللقاح منذ عام 1968 بخطة كان الهدف منها أن ينتهي المرض مطلع عام 1982، إن ثمانية عشر عاماً تشكل فارقاً كبيراً جداً لدولة غنية وتتمتع بنظام صحي عالٍ، فما بالك بالدول الضعيفة والمتهالكة؟”
أزمة خدمات
في ظل أزمة البنى التحتية والخدمات الصحية المتردية في العراق، التي حصدت كثيراً من الأرواح، أما بسبب قلة قناني الأوكسجين في الأزمة الأخيرة للجائحة، أو بسبب احتراق مشفى كامل من دون مخارج طوارئ صحيحة، تقف اللجان الصحية عاجزة عن تذليل الصعوبات أمام المواطن.
أحد الأطباء المقيمين في مستشفى اليرموك (رفض الإفصاح عن اسمه) يقول لـ “الشبكة”: “نتعرض أنا وزملائي لكثير من الضغوط، فنحن نعاني من قلة التجهيزات داخل المستشفى نفسه، والأهالي المرافقون للمرضى يصعب التعامل معهم ويرفضون الخروج من ردهات العناية المركزة ويهددوننا عشائرياً أو بمقاضاتنا لو حدث أن توفي مريضهم.”
الكورونا باقية..
بينت الأبحاث والدراسات وتصريحات رؤساء الدول الغنية أن الكورونا باقية، لكنهم سيرفعون الكمامة في حال أخذ اللقاح ويساهمون في تطعيم العالم أجمع، بحسب تصريحات رئيس وزراء بريطانيا (بوريس جونسون) في اجتماع قمة أوروبا لمحاربة الجائحة للدول السبع. فعمّن سينتج اللقاح؟ ومن هو المستفيد؟ وكيف ستصل اللقاحات إلى دول يصلها السلاح قبل العلم؟
تبقى الأسئلة كثيرة والإجابات مبتورة، لكننا نأمل أن تنتهي هذه الجائحة بالتطعيم، حالها حال أوبئة كثيرة حاربها العلم كشلل الأطفال والحصبة والسل والجدري.
وفي هذه الأيام بدأت دول تعلن عن خلوها من الجائحة وأنها متاحة للسياحة والسفر، لكن هل حقاً يأمن الوافد من الإصابة؟ نيوزلندا وأستراليا أعلنتا تماماً أنهما بلدان خاليان من كورونا، إذ لم تظهر في أي منهما أية إصابة بسبب غلق الحدود، وعزل القادمين عزلاً تاماً في غرف منفردة في فندق يشرف عليه الأمن والصحة للتأكد من خلوهم من المرض، وبعد 14 يوماً يسمح لهم بالذهاب إلى منازلهم، وبذلك لم يدخلهم الفايروس ولم يأخذوا التطعيم.
ووهان
أما في (ووهان) الصينية التي ظهر فيها الفايروس أول مرة، فلم تعد للكمامة أية ضرورة، بعد أن أخذ كل قاطنيها لقاح السينوفارم الصيني، ولا تسمح الصين لأي زائر أن يطأ أرضها إن لم يكن قد طُعّم بلقاح السينوفارم حصراً.