رجاء حسين
مأكولات مختلفة، طالما لفتت أنظار الأطفال بالذات في المولات والمحال والمراكز التجارية، نتيجة جمالية البخار والضباب الذي يخرج منها، مثل (الآيس كريم) والفواكه و(الجبس) المسمى (أنفاس التنين)، الذي يتسبب في كوارث ومخاطر صحية عند خلطه بالنيتروجين السائل وتناوله، منها الاختناق وتوقف القلب، وتمزق الأنسجة والأعضاء الداخلية واحتراقها.. فما تداعياته؟
كيف يمكننا الحد من استخدامه الخاطئ في الأطعمة؟ وما دور الرقابة الصحية والإعلام في التنبيه بمدى خطورته على حياة الناس وسلامتهم، وملاحقة من يستخدمونه بشكل غير صحي؟
أصله ومخاطره
أظهرت مقاطع فيديوية في مواقع التواصل الاجتماعي طفلاً هندياً وهو يقترب من الموت بشكل مباشر عند تناوله حلوى مخلوطة بالنيتروجين السائل، إذ بدأ يهلع ويعاني من صعوبة في التنفس، وكذلك مقطعاً آخر يظهر ما حدث مع 6 حالات أيضاً في ولاية (هاريانا الهندية)، حينما تناولوا البخار مع الأطعمة، ليعانوا من إصابة الفم بحروق ونزيف حاد، إضافة إلى إصابة 20 طفلاً بحروق في المعدة بعد تناولهم وجبة خفيفة هي (تشيكي نجيبول)، المتضمنة النيتروجين السائل، ليدخلوا فوراً المستشفيات في إندونيسيا، وغيرها من الحالات. ما جعل إدارة الغذاء والدواء الأميركية تحذر المستهلكين والتجار من احتمالية حدوث إصابات خطيرة جراء أكل، أو شرب، أو التعامل مع المنتجات الغذائية التي يتم إعدادها عن طريق إضافة النيتروجين السائل.
فبالرغم من أن النيتروجين السائل غير سام، إلا أنه قد يسبب تلفاً شديداً للجلد والأعضاء الداخلية إذا أسيء التعامل معه أو تم بلعه بطريق الخطأ، وذلك بسبب درجات الحرارة المنخفضة للغاية التي يمكنه الحفاظ عليها.
هواء محروق
ولكن ما النيتروجين في الجو؟ وما مفعوله وخواصه؟
يعرف عن النيتروجين أنه عنصر غير فلزي، وأحد الغازات الخاملة التي تحتوي على خمسة إلكترونات في الغلاف الجوي، وهو لا يشتعل ولا يتفاعل مع الغازات والعناصر الأخرى.
بدأت معرفته كيميائياً ولفظياً من الكيميائي (جانا أنطوان شابتال)، إذ أطلق عليه مصطلح (ملح النتر)، لكنه لم يميز بينه وبين كربونات الصوديوم، بل مزج بينهما. لكن اكتشافه بشكل علمي كان من قبل (دانيال رذرفورد) سنة 1772 وقد سماه (الهواء المضر أو المؤذي) ودرسه بعده الكثير من العلماء وسموه (الهواء المحروق) الذي يطفئ اللهيب ويميت الحيوانات، ويعد من أشهر وسائل المبردات ويعرف بـ (التبريد العميق)، وله مخاطره الكثيرة، إذا أطلق مثلاً في غرفة مغلقة ما، فإنه يزيح الأوكسجين ويسبب الاختناق مع تخدير استباقي في الجسم قبيل الاختناق.
حلويات مجمدة
تحدث د. خالد الدليمي، اختصاص تغذية، لمجلة “الشبكة العراقية” عن تفاعله وخطورته قائلاً: “ظهرت في مراكز التسوق والمهرجانات والمعارض والمطاعم موضة جديدة في عالم الأغذية، وهي استخدام النيتروجين السائل لصنع الحلويات المجمدة، أو لإنتاج سحب من البخار مع الأطعمة، مثل الحبوب والكعك المغموسة في النيتروجين السائل للهواء، ولطالما استخدمت صناعة الأغذية النيتروجين السائل لتبريد وتجميد وتقليل نمو الميكروبات أثناء عمليات التصنيع. ومع ذلك، فإن استخدامه في نقطة البيع يشكل خطر التعرض العرضي للمستهلكين إذا لم يكونوا على دراية جيدة بالمخاطر وممارسات المناولة السليمة.
رقابة إعلامية
هذا ما أكدته أيضاً د. مها صابر، اختصاص في معهد بحوث التغذية بوزارة الصحة، التي بيّنت خطورته على المستخدم والمستهلك معاً، إذ قالت: “إن لامس النيتروجين السائل يد من يتعامل مع إضافته إلى الأطعمة، أو أية مادة، فإنه يعرضها للحروق من الدرجة الثالثة، وكذلك تتعرض شبكية العين للحروق والتمزق بسبب البخار ودرجته. أما الأطفال والبالغون، الذين يتناولون الأطعمة التي تحتوي بخار النيتروجين السائل، فإنهم معرضون للحروق في الأنسجة والفم وأعضائهم الداخلية والمعدة والمريء.” موضحةً أن هناك أنواعاً من درجة النقاء لهذا الغاز السائل لابد من مراعاتها عند التعامل معه وإضافته إلى الأطعمة، ويجب أن تكون درجة النقاء فيه بنسبة 99،9 %. مؤكدةً على الدور الرقابي لوزارة الصحة في ملاحقة الباعة الذين يبيعونه دون مراعاة المعايير الصحية، ونشر التوعية بمخاطر هذا الاستخدام المغلوط في الأطعمة، وكذلك الدور الإعلامي المهم في تنبيه الناس بعدم استخدامه وتعرض حياتهم للموت.
ملوثات الهواء
كما تحدث عبد اللطيف كاظم، خبير التغذية، عما يتكون منه هذا العنصر قائلاً: “يتكون النيتروجين السائل من تقطير الهواء، وعادة ما يتم تصنيعه في الشركات والمصانع التي تنتج غازات ثاني أكسيد الكربون والأوكسجين. والنيتروجين السائل أخف بنسبة 20 ٪ من الماء من حيث الحجم. ويعد النيتروجين أحد ملوثات الهواء الرئيسة القادرة على التسبب في مخاطر صحية شديدة مثل أمراض القلب والسكتة الدماغية.”
وقد خصّت د. وديان عباس وتوت، اختصاصية تغذية سريرية وعلاجية، مجلة “الشبكة العراقية” بالحديث عن هذه الظاهرة الصحية الخطرة بقولها: إن “مشروبات وأطعمة النيتروجين السائل واحدة من أحدث الاتجاهات الغذائية، إلا أن مضار هذه الظاهرة كثيرة، منها أن استنشاق النيتروجين السائل أو ابتلاعه، قد يسبب إصابات نادرة ولكنها خطرة، إذ يجب أن يتدرب بائعو الأطعمة على كيفية التعامل الصحيح مع سائل النيتروجين بالكمية والطريقة عند المزج مع الأطعمة، وهي معلومات يفتقر إليها أغلب البائعين.” مضيفةً: “كما يستخدم في المعامل التجارية في تبريد الأطعمة وإنتاج الحرارة والأكسدة أثناء المعالجة والتعبئة والشحن، إضافة إلى التبريد لإطالة العمر الافتراضي لمختلف الأطعمة، مثل اللحوم والألبان والتوابل والصلصات والحلويات وغيرها. لكن الاستخدام والضرر الجديد حدثا بسبب سوء الاستخدام العشوائي للغرض التجاري والربح دون الاعتبار للمخاطر الجمة التي بدأ يتعرض لها الناس.”
علاجٌ طبي
وهذا ما أكده الدكتور رامي صلاح، اختصاصي التغذية العلاجية، أيضاً، حينما صنّف النيتروجين السائل من الكيمياويات الباردة للغاية، ويستخدم في العلاجات الطبية للقضاء على الخلايا السرطانية بما يعرف بـ (العلاج بالتبريد). لذا في المحصلة يبقى الاستخدام الجديد الطارئ غير المدروس المنتشر في المولات والأسواق محط خطر حقيقي، يحيط الذي يبيع أو يشتري من هذه الأطعمة المخلوطة بالنيتروجين السائل.