الهالوّين ميثولوجيا شيطانية أم سذاجة أبر ياء!

آمنة الموزاني /

رُعب الهالوين، أو يوم الشيطان، الذي تقدم فيه تضحيات بشرية بشعة تستبدل الرأس المذبوح باليقطينة، هو ذاته رأس السنة عند السحرة في العالم أجمع، لكنه لم يدع بالهالوين إلا بعد انتشار الفكرة وتجسيدها في أمريكا كجزء وامتداد لصراع دموي ثيوقراطي مرّ بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية، ليأتي السؤال: ما السرّ في تحويل مناسبة عقائدية شيطانية مضمخة بالدمويَّة الى فلكور شعبي ترفيهي تنتظره العوائل بصحبة سهراية مرعبة مع الأطفال!
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما بتصدير الفكرة الى العالم العربي لتقليدها بالنسخة المحرّفة، مع أنّ الميثولوجيا في آيرلندا تخبرنا عن إله الموت والبرد الذي كان يأتي مع مجموعة من أرواح الموتى في ليلة من كلّ سنة عند (السِلتيين) للبحث عن التلبس بأجساد حيّة، فيخلق الخوف في قلوب الناس، ما يضطر كهنة الأوثان الى إشعال النار في القرية وتوزيعها على السكان والشبابيك لطرد الأرواح، علماً بأن الرومان أخذوا الطقس وبدأوا باستخدام اليقطينة لتُعزز الإيمان بالأرواح وإسنادها بالثياب والأقنعة المخيفة.
في كل من إنجلترا وآيرلندا وشمال فرنسا وبقية أوروبا وأمريكا، يحيون الهالوّين إيذاناً بانتهاءِ فصل الصيف وبداية فصل الشتاء. ووفقاً لمعتقداتهم، فإن فصل الشتاء يجلب الأرواح الشريرة، ولاتقاء شرور تلك الكائنات كانوا يضيئون النيران ويلبسون الملابس المخيفة، على الرغم من عدم ارتباط هذا العيد بأيّ من الأديان المعاصرة.
هنا يأتي السؤال؛ هل هنالك احتفالات رمزيّة مشابهة للهالوّين من وحي التراث المحلّي لكلّ من شعوب العالم، تجلب السعادة للموتى، أم أنّه مجرّد عيد أجنبي ودخيل على ثقافاتنا الشرقيَّة الملغومة بالتابوات؟ باعتبار أن أقدم عصور الحضارة الشعائرية في الشرق تأثرت -وبحسبِ علم الأديان- باختلاف المناخ ما بين الطبيعة الجغرافية والمناخية ونمط العقائد.
إسعاد الموتى بالرقص!
بزيِ ساحرة تضع قروناً حديدية، المواطنة الألمانية (برت ماري) وحفيدتها (ألمى سلندر)، أعدتا لعيد الهالوين جواً وحفلاً بسيطاً وطقوساً -كما في كل عام- ابتهاجاً بالمناسبة، تقول ألمى:
“في كل عيد هالوين اختار زياً تنكرياً مع تلوين وجه ملائم للشخصية التي سوف أتنكر بها، ويجب أن تكون شريرة ومرعبة لبقية أصدقائي، في العام الماضي ارتديت شخصية وزيّ الساحرة ومثلت مع الأطفال حكاية لطيفة، مفادها كيف يمكنني أن أمسخهم وألاحقهم في الليل. وأجمل ما نقوم به أيضاً حين نرتدي ملابسنا التنكرية ونحمل السلّات ونطرق أبواب الجيران لنوزع الحلوى عليهم.”
من جانبها، الطبيبة العراقية المُقيمة في لندن (وفاء ضياء) تحدثت عن جمالية الحريات والطقوس الأوروبية اللطيفة، قائلة:
“الهالوين في المملكة عبارة عن احتفالات بهيجة يتجمع فيها الناس خلال الليل وهم يتفننون بملابسهم التنكرية، وطبعاً يكون الأكثر غرابة هو المميز، ويتناولون الأطعمة في جوٍ صاخب، ويحولون فكرته المرعبة الى استمتاع ورقص وفرح”.
الخرافة لا تؤمن بالتقدم
من مدينة هامبورغ الألمانية، الكوافير (مصطفى الحمداني) صوّر لنا المشهد المفزع بوجوه مشيطنة بشعة تنتهك براءة الأطفال ومشاعرهم الرقيقة، قائلاً بامتعاض:
“ألا تعلمون أنّ تجسيد الوجوه المخيفة والشخصيات الشريرة والبيوت المسكونة في احتفالاتكم تؤثر سلباً على نفسية أطفالكم، أيّ علم وتراث وطقس وتقدّم تريدونه، فيما آباؤكم يعلّمونكم منذ نعومة أظفاركم عن أرواح شريرة وخرافات تظهر في ليلة 31 أكتوبر(تشرين الأول)، هل بالخرافة والخوف تتقدّمون، لا أعرف أين اليونيسيف المُهلهل ومنظمات حقوق الأطفال المتبجحة برعاية الطفولة من هذه المهازل، الجماجم المعلقة وسحنة الدماء ومظاهر الرعب الوحشية مرح! هذا العالم يحتاج إلى الخروج من مستنقع البشاعة وانتكاس الفطرة بعد تشويهها.”
احتفالات موت حقيقي
المُبرمج (محمد باقر) تحدث عن آثار هذا الاحتفال على الرأي العام في هذه السنة بالتحديد؛ “بسبب الحوادث الكثيرة والتدافع بين الشباب والمراهقين، ومع انتشار هذه الاحتفالية في بلدان مختلفة، ولاسيما في البلدان العربية – منها العراق في بعض المحافظات – فإن هناك جدلاً بين قبوله كمناسبة عالمية وبين رفضه بوصفه مناسبة لا تتلاءم مع الثقافة العربية، باعتباره عيداً سوَّقه الإعلام الأمريكي الى الشرق الأوسط”.
جدير بالذكر أنه في نهاية تشرين الثاني من كل عام تقام احتفالات بعيد الهالوين، وهو عيد القديسين لدى الطائفة المسيحية الكاثوليكية، الذي تعود جذوره إلى الثقافتين الأسكتلندية والآيرلندية، ومن أبرز مظاهر الاحتفال في هذا العيد تحضير المأكولات والخروج إلى الشوارع مرتدين أزياء مرعبة تدور حول فكرة الموت والأشباح بشكل عام.
تراث عالمي متفاوت
الباحث في مجال الأنثروبولوجيا (محمد الخزعلي) تطرق الى الأعياد الخاصة بأطفال العالم المتنوع، كل بحسبِ تراثه وهويته الثقافية، نقلاً عن المصادر التراثية المتاحة، قائلاً:
“حفل هالوين ينطلق من فكرة استذكار القدّيسين والترحّم على أرواحهم، وما الحلوى إلاّ صدقة عن أرواحهم واستذكار رمزي لمآثرهم، ومازالت أهازيجه التي يردّدها الأطفال دعوة للترحّم على الأموات والصدقة عنهم، كذلك نجد على الجانب العربيّ المشرقيّ شعائر لعيد عريق وقديم من عمق التاريخ، يحتفل به عرب الخليج اليوم باسم عيد گرگيعان، وگرگيعان عيد عربيّ جميل مليء بالفرح، ومنتشر بين عرب شواطئ الخليج، جاء اسمه من القرقعة التي يثيرها الأطفال مطالبين بالحلويات، وتختلف تسمية العيد العربي بين مدن وقرى منطقة الخليج، ففي وسط العراق مثلاً وإلى الشمال من شطّ العرب يسمّى العيد (ماجينا)، أمّا إلى الجنوب من شطّ العرب وحتى عُمان فنسمع تسميات عدّة منها القرقيعان أو القريقعانة أو الگرگيعان أو الگريگعان أو الناصفة أو الگريكشون أو گرنگعوه أو القرنقشوة أو حقّ الليلة!”