ترجمة وإعداد: جواد غلّوم /
لو أتيح لك أن ترتقي سفوح جبال الهملايا وتقطع مسافة 6230 قدماً فوق سطح معمورتنا، متسلقاً من دون أن تصل الى قممها بمسافة قليلة؛ سترى العجب العجاب عن قوم ماعاشوا حياة الحضارة ولا ناموا في أسرّتها الوثيرة ولا حتى لامستهم بأناملها الناعمة، أقوام لايتجاوز عديدهم الـ 35 ألف نسمة، يتصفون بخجل نسبي أمام الغرباء، لكنهم كثيرو المزاح مع بني جلدتهم.
سعداء بوحدتهم
يسمونهم قبيلة “الهونزا” يسكنون في مقاطعة نائية تسمى “كاراكورام” وهم محسوبون إداريا ضمن دولة الباكستان، حيث يستقرون في أقصى شمال البلاد، ولا توجد بينهم وبين المدن أية طرق مواصلات سالكة سوى ممرات يقطعها السابلة مشياً على الأقدام في سفوح الجبال. لكنهم يختلفون عن أقوام بلادهم في أنهم يتخاطبون بلغتهم الخاصة التي لايعرفها مواطنوهم ويعيشون جنّة العزلة؛ سعداء بوحدتهم برغم فترات الجليد والبرد التي تعتريهم وهم في الأعالي، هانئين بلا صراعات سياسية ولاعنف ولاطائفية كالتي يعانيها مواطنوهم الباكستانيون، أصحاء بلا أمراض العصر السائدة فينا مثل السكّري وارتفاع ضغط الدم والاكتئاب، أجسادهم خالية من رهاب السرطان وقوامهم فارع الطول وسحنتهم ناصعة البياض، يمتازون بالنحافة فلا تجد بينهم بديناً مفرط السمنة. وقد أطلق عليهم لقب “المجتمع الأكثر سعادة” في هذه الأرض بسبب الصحة الوافرة التي يتميزون بها والعمر المديد الذي يعيشونه، اذ يتخطى معدل عمر الإنسان الهونزيّ المئة عام وقد يبلغ مابين 120 الى 140 سنة، إضافة الى أنهم – نساءً ورجالاً – يتميزون بالخصوبة في التناسل والإنجاب ولا ينقطع نسل الأبوين حتى لو طال عمر الزوجين الى ما بعد الثمانين سنة.
عجائب ثمرة المشمش
طعامهم من صنع أيديهم ومن زرع سواعدهم في حقولهم التي من المحال أن يبيعوها للآخرين، فمن يبيع أرضه كمن يبيع نسله وفق أعرافهم وتقاليدهم، ويشربون المياه النقية من العيون والينابيع الدافقة من قمم الجبال وسفوحها، وكل موائد الطعام الخاصة بهم تحوي البقوليات الطازجة والخضار التي يزرعونها بأنفسهم والفواكه التي يقطفونها، وخاصة المشمش، إذ يعتبرونه مادة رئيسة لابد من تناولها يومياً ويعملون على تجفيف ماتبقّى من موسمه للاستفادة منه في المواسم الأخرى، حيث يعتقد بأن ثمرة المشمش سواء الطازجة أم الجافة لها قدرات عجيبة على التصدي لأية أمراض سرطانية قد تداهم أجسادهم؛ لهذا من المحال أن تجد فرداً منهم ابتلي بهذا المرض اللعين، كما أن الأجواء العالية تتمتّع بأوكسجين نقيّ جداً وخالٍ من الملوثات الصناعية والأتربة والغبار ومداخن المصانع.
وهم معتادون على الأكل القليل بما يكفي البدن، تراهم يكرهون البِطنة وقلما يتناولون اللحوم سواء أكانت حمراء أم بيضاء، ونادراً ماترى الدهون في موائدهم، ومعدل السعرات الحرارية تتراوح بين 1800—1900 سعرة، بينما يتناول الأميركي 3300 سعرة حرارية يومياً.
الرياضة بدل السياسة
أما عن مدى اهتمامهم ومتابعتهم بما يحيطنا من أحداث سياسية ومشاكل اقتصادية ونزاعات فكرية وصراعات عسكرية، فإنهم لايعرفون شيئاً ولا يريدون أن يعرفوا منغّصات الحياة والانشغال بالسياسة مما ينقص العمر ويزيد الأسقام، مفضّلين ممارسة الرياضة صباحاً والجري صعوداً ونزولاً بين السفوح طقساً يومياً لابد من ممارسته كباراً وصغاراً. وبعد انتهاء التمارين الرياضية يبدأون بعقد جلسات تأمل خاصة بهم تشبه الى حدّ كبير طقوس رياضة “اليوغا” لمدة نصف ساعة لتهدئة النفس وتغذية الأعصاب بالسكينة والراحة وزيادة قدرة العقل على التركيز، لتكون أعمالهم اليومية في الكدح والنشاط الإنساني على أكمل وجه، فليس غريباً أن يؤكد أحد المهتمين الدارسين لهؤلاء القوم وهو البريطاني “روبرت ماكريسون” أن من يعيش نمط حياة أفراد “الهونزا” كفيل أن يزداد عمره بين 40—60 سنة إضافية حيث هدأة البال وراحة العقل بعيداً عن ضوضاء الحروب وهياج السياسة والسياسيين، والطعام الكافي الصحي المنتقى من جني الأيادي الطيبة خضاراً وفاكهة، والماء الزلال الدافق من ينابيعه البكر، والهواء الخالي من التلوث البيئي والمشبع بالأوكسجين في القمم العليا قبل أن ينزل الى سفوح الأرض ويتسرب في خناق الحضارة وملوثاتها وأدرانها التي لا تحصى.