رجاء حسين/
أسهم التغير المناخي والتوسع العمراني، وتحويل غالبية المناطق الزراعية إلى سكنية، في بغداد وضواحيها، في خسارة العاصمة معظم مناطقها الزراعية وبساتينها، ما دفع بالعائلات العراقية إلى التوجه نحو المحافظات لقضاء إجازاتهم والتمتع فيها، وكانت مزارع مدينة بلد واحدة من هذه الأماكن الترفيهية التي استقطبت هذه التجمعات السياحية.
حدود المدينة
تقع (بلد) بين قضائي سامراء والتاجي، وتبعد نحو 85 كم عن شمال بغداد، وفيها مرقد السيد محمد بن الإمام علي الهادي، وأخو الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)، لذلك تُعّد من المزارات الإسلامية المهمة في العراق، وهي من أكبر الأقضية في محافظة صلاح الدين من حيث عدد السكان، وفيها قرى عديدة، مثل قرية عزيز، والرواشد، وتل الذهب، وقرية العويشات. أما مزارعها وبساتينها فتمتاز بطبيعتها الخلابة واحتوائها على أجود أنواع الفواكه، في بساتين ومزارع محاطة بالمياه طوال العام، ما جعلها نقطة جذب للعائلات العراقية عموماً، والبغدادية خصوصاً، وذلك لقربها من العاصمة.
طبيعة ساحرة
أصيبت (بلد)، بكل ما تحمله من إرث سياحي وجمالي وطبيعة ساحرة، بأضرار كبيرة بسبب إرهاب داعش، قبل القضاء على هذا التنظيم الاجرامي. وبعد تحريرها واستتباب الأمن فيها، أصبحت قبلة سياحية للعراقيين، وذلك برغم الآثار الكبيرة التي خلفتها العمليات الإرهابية في المدينة، وتضرر مساحاتها الخضر وبساتينها، إذ انطلقت عند أهالي المدينة فكرة تحويل مدينتهم إلى منتجع سياحي كبير للوافدين إليها من الزائرين أو ممن يحاولون قضاء وقت فيها للاستجمام والراحة.
في البدء امتنع أهالي المدينة من استحصال أية مبالغ من الزوار الذين يرومون قضاء الوقت فيها، منطلقين من فكرة مفادها أن جميع زوار المدينة هم ضيوفها، ولا يمكن أخذ مقابل لهذه الضيافة. لكن الخشية من استغلال الوضع من بعض المتطرفين والجماعات الإرهابية، دفع الأهالي إلى تنظيم أمورهم بالتعاون مع الجهات الأمنية للمحافظة على أمن المدينة واستقرارها بوضعهم شروطاً صارمة تضمن عدم المساس بالأمن، وتوفير الحماية لرواد مزارعها و(شاليهاتها) السياحية، إجراءات أسهمت بانتعاش سوق السياحة في المدينة، ولاسيما بعد إعلان قائممقام بلد (حيدر البلداوي) بمنع تأجيرها للشباب منعاً باتاً وإتاحتها للعائلات فقط.
فواكه المدينة
مع تزايد إقبال العائلات من مختلف المحافظات، بدأت السياحة تزدهر مع اطمئنان تام من الطرفين، أهالي (بلد) وزوارها، ليجري الترويج عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والإعلان عنها، إذ يكون الاستئجار بـ (شفتين)، صباحي ومسائي، بمبالغ تبدأ من ٢٠٠ ألف دينار لتصل إلى ٣٥٠ ألف دينار لليوم الواحد، بحسب نوع الخدمات وطبيعة المزارع والشاليهات ووسائل الترفيه المتنوعة فيها.
(فلاح مزعل)، صاحب إحدى مزارع (بلد)، تحدث لمجلة “الشبكة العراقية” عن التوافد المستمر للعائلات، وعن التقدم الاقتصادي للمزارعين، مشيراً إلى أن الطلب على فواكه المدينة بات متزايداً من قبل الوافدين، وهو عامل اقتصادي مهم، يضاف إلى العامل الأهم وهو السياحة، مضيفاً: “فلا طعم يضاهي (الركي) والبطيخ وفواكه التين والحمضيات والكمثرى المزروعة في بلد.”
(الحاجة ندوة – أم حسام)، تحدثت عن عائلتها الكبيرة وأولادها وأحفادها، وسعادة تجمعهم المستمر في بيت العائلة، لكن صغر مساحة البيت والتعب المفرط بعد الولائم، ومن ثم صعوبة تنظيف المكان والأواني، جعل من فكرة تأجير المزارع حلاً مثالياً جداً لها ولعائلتها، إذ إنه يوفر لهم مساحة واسعة مع الأشجار وعوامل الترفيه الأخرى. مبينةً أن ذلك وفر اقتصادياً للعائلة، بعد أن تقسم المصروفات على الأفراد المشتركين في هذه السفرات.
زيارة وسياحة
(عذراء عبد الزهرة)، وهي امرأة مطلقة وأم لطفلين، أوضحت في حديثها لمجلة “الشبكة العراقية” أنها في السابق كانت تعاني اجتماعياً من فكرة استئجار مثل هذه المزارع مع طفليها، وتخاف بسبب ما كانت تسمعه من عمليات إرهابية في المدينة، لكن هذه المخاوف تبددت بعد زيارتها للمدينة ومزارعها. مضيفةً أن تجمعات الجيران أو الأقارب والمشاركة في هذه الرحلات والذهاب معهم، جعلتها متاحة دوماً، مع شعور عال بالاستقرار والأمان الكبيرين اللذين تشهدهما المدينة.
“ما إن تطأ قدماك مدينة بلد ومزارعها، حتى ترى دخان السمك المشوي، وتشم رائحته عن بعد، وتسمع قهقهات الأطفال الذين يمرحون في مسابح الشاليهات وحدائقها، في أجواء عائلية طالما كانت من طقوس العراقيين المحبين للسفر والسياحة والاستمتاع بأوقاتهم.”
هكذا تحولت مدينة (بلد) من مدينة حاصرها الإرهاب، إلى مدينة جاذبة للسياح وعشاق المدينة ومراقدها المقدسة.