علي غني /
هذه الحكايات واقعية لا لبس فيها، أبطالها من المراجعين لبعض دوائرالدولة، التي لن نفصح عن أسمائها احتراماً للمهنية الصحفية وحدودها القانونية، ونأمل أن يقرع هذا التحقبق جرس الإنذارعسى أن يهدي الله أولئك “البعض” من موظفي تلك الدوائر ومسؤوليها إلى الطريق الصحيح، فتصحو ضمائرهم، ويضعون الله نصب أعينهم، لأن الإنسان مهما أوغل في ارتكاب الأخطاء، فعليه التفكير بالتوبة النصوح، وهو ما نرجوه من هذا الموضوع.
صديقي الصحفي..
بدأت قصة صديقي الصحفي من معاملة احتساب الخدمة الصحفية بتاريخ 11-7-2018، إذ خاطبت دائرته (س) نقابة الصحفيين العراقيين، وبعد خمسة أيام أرسلت النقابة ردها للدائرة (س) ثم بعد ذلك أرسلت النقابة صحة الصدور في أيام قليلة لتلك الدائرة، بذلك حسم الأمر من قبل النقابة وتحوّل الأمر إلى جهات أخر.
الرقابة المالية ودقة الإجراءات..
يقول صديقي: أرسلت دائرتي المستمسكات المطلوبة والأدلة إلى ديوان الرقابة المالية الاتحادي، والحقيقة تذكر أن لجنة الرقابة المالية كانت في غاية من المهنية، إذ أصدرت قرارها الأول وفيه غبن لي، لكنها عادت وصححت الأمر بعد تقديم الأوامر التي تخص قضيتي الصادرة فيها قرارات من الدولة، وهي بذلك أنصفتني، كما يقول الزميل الصحفي، وكانت اللجان تلتزم في المواقيت المحددة، وأنجزت في غضون شهرين، وهو أمر مقبول في معاملة احتساب الخدمة التي تتطلب التدقيق المركز، وكانت المعاملة تتحرك بشفافية، ودون أن أرى الموظف المختص، وهذا عين الصواب والنزاهة. وبذلك تكون قد أكملت المعاملة في 19-2-2019 من ديوان الرقابة المالية الاتحادي.
التقاعد والخدمة..
تابع صديقي: بعد مرور أكثر من شهر حُولت معاملتي إلى المديرية العامة للتقاعد، وبعد دراسة معاملتي من الموظفين المختصين وتسديد التوقيفات التقاعدية التي بذمتي، أضيفت خدمتي الصحفية إلى خدمتي الوظيفية، واحتسبت لي خدمة تقاعدية، وقد استغرقت المعاملة مدة شهر، وأعترف أن الموظفات في هيئة التقاعد تعاطفن معي لكوني صحفياً.
ودفع المقسوم..
ثم عادت المعاملة إلى الدائرة المعنية، التي أرسلت كتابها إلى مجلس محافظة (……) الدائرة المالية قسم الملاكات شعبة التوظيف بتاريخ 5-2-2019، وبعد إكمال جميع المستمسكات المطلوبة، ومصادقة اللجان الموجود ة في الدائرة التي أعمل فيها بما فيها المدير العام، وإرسال التوضيحات كافة بمعاملة طويلة، إلا أنني في كل مرة أذهب بها إلى الموظف المختص، يرد علي بالقول إن اللجنة لم تكتمل، نائب المحافظ لم يثبت بعد، يجب إرسالها إلى المالية، بعد كل هذا التعطيل والملل والمرض الذي أصابه، اضطر إلى (دفع المقسوم) ليحصل على القرار، واحتساب الخدمة على الرغم من أن معاملته أصولية مئة بالمئة، وانتهت بالشهر الخامس من عام 2019.
مواطن آخر..
قصة المواطنة الأخرى، أنها إحدى الموظفات التي ترغب بمصاحبة زوجها إلى الخارج، لكنها لا تريد أن تخسر وظيفتها في العراق، فقدمت إلى الجهات المعنية لمنحها إجازة الخمس سنوات براتب اسمي، ولكونها لا تستطيع المراجعة، فإن بعض المعقبين طلب منها مبلغ (6000) دولار حتى يأتيها بالاستثناء الخاص بمنحها الإجازة من الوزارة المعنية، وبما أن الرقم كبير بالقياس لراتبها، فإنها فضلت ترك وظيفتها التي قضت فيها أكثر من عشرين سنة، ومصاحبة زوجها إلى الخارج.
سلفة لبناء بيت..
روى لي أحد الزملاء أنه كان يعاني من قِدم بيته، فإراد أن يعيد بناءه بشكل جديد، فنصحه أحد الأصدقاء المقربين منه، بأن يقدم على سلفة من (………) فهدم بيته إلى الأرض، وذهب إلى (الدائرة المعنية)، فبعثت الدائرة لجنة من المعنيين عاينت الدار وذهبت، وبعد مرور أكثر من شهرين لم تعد اللجنة، على الرغم من تكليفه أحد المعقبين، وإعطائه مبلغ التعقيب (الهدية للعرف) وهو يقول: أنا الآن اسكن في بيت شقيقتي، وأنتظر الفرج من تلك الدائرة، ولا أعرف ما الذي عليّ أن أفعله، وما المطلوب حتى تمشي معاملتي؟!
اتهام وموقف..
أحد الآباء، حدثني عن قصة ابنه، إذ أودعته (جهات معينة) السجن بسبب حيازته عملة غير متداولة (غير مزورة) لإحدى الدول، وهو يقول: إن هناك مادة قانونية تقضي بإطلاق سراح ابني لأنه لم يرتكب جرماً، لكن بعض أفراد تلك الجهة (أدخلوا تعقيدات على القضية) وأدخلوها بمواد قانونية شديدة، وتبين فيما بعد أن هدفهم ابتزاز (ابني) هو وصديقه الموقوف معه في ذات القضية، وجرى توسيع القضية، فكلفتُ محامية للدفاع عنه، وبعد أكثر من أسبوعين أطلق سراح ابني وصديقه، على ضوء مادة قانونية بكفالة، بعد أن دفعت ملايين الدنانير للمحامية، وقد علمت فيما بعد أن المحامية أعطت هي أيضاً (المقسوم) لتسهيل أمر إطلاق سراح ابني وصديقه.
الحكومة الإلكترونية..
بعد هذه الحكايات الواقعية، ومثلها آلاف الحكايات في دوائر ومؤسسات الدولة، أشار أغلب المختصين إلى أن التقليل من حالات الفساد والابتزاز يكمن باستخدام الحكومة الإلكترونية، وتعيين موظفين يمتلكون نزاهة بتلك الحكومة (الإلكترونية)، وإعمام هذا النظام على الدوائر والمؤسسات كافة، وتبصير المواطنين بكيفية تقديم المواطن إلكترونياً لكل دائرة من دوائر الدولة، وإبعاد الصيغة الورقية عن المعاملات في جميع معاملات الدولة، واختزال حلقات الروتين لتسهيل سيرورة معاملاته، ومنح الموظفين المعنيين صلاحيات تقلل من الروتين، واختصار عشرات التواقيع غير الضرورية باللجان، واقتصارها على أصحاب الاختصاص، وإزالة الحلقات الزائدة في مجالس المحافظات.
الحكومة تقيل ألف موظف فاسد!
وبينما كنا نعد هذا التحقيق الصحافي، أصدرت الحكومة، في إجراء لتقليل الفساد في دوائر الدولة ومؤسساتها، قراراً بإقالة 1000 من الموظفين الفاسدين، وبدرجات متفاوتة، ما بين موظف عادي ومسؤول، وأكدت أنها ستشدد الرقابة على مؤسسات الدولة كافة للقضاء على الفساد من دون أن تنشر الأسماء أو الدوائر الذين يعملون فيها، وهي بذلك تعطي إنذاراً للآخرين.