علي لفتة سعيد
تصوير : علي الغرباوي/
ارتبطت المواكب الحسينية بفاجعة الطف التي استشهد فيها الإمام الحسين وأهل بيته وصحبه، ولهذا فإن تاريخ هذه المواكب سجّل لوحده الكثير من المواقف التي كان لها مفعول السحر، لا سيما في ما يتعلّق منها بالمواكب العزائية التي أخذت من فكر ومنهج الثورة الحسينية لتكون الصوت الأعلى لكل حادثة سياسية مرّ بها العراق حتى تحوّلت المواكب الى منصات سياسية معارضة ليست لها قيادة سوى الشعر والصوت والمناسبة، وباتت النظرة العدائية من قبل السلطة عبر الزمن هي الصورة الوحيدة ما بين الناس والسلطة.
التاريخ والبدايات
يقول المؤرخ الكربلائي طه الربيعي: إنَّ هذه المواكب كانت عبارة عن مجالس وكانت بداية ظهورها في زمن المختار بن أبي عبيدة الثقفي عام 65هـ، وجاءت بعد ثورة كبرى ضد السلطة الأموية. ويضيف أن المختار أرسل نادبات إلى شوارع الكوفة للندب على الحسين وكانت غايته تحريك الأجواء التعبوية. لتبدأ مرحلة التأسيس وإن كانت بعدها حول قبور الأئمة (ع) ثم تطورت إلى بيوت الأئمة وأنصارهم يقيمون النياحة على أهل البيت(ع) وكانوا يسمون الخطيب (نائح). وذكر الربيعي أن القراءة الحسينية أصبحت قائمة حين كتب الشيخ (ابن نما) أول مقتل (كتاب جمع فيه روايات يوم عاشوراء) ثم تلاه السيد (ابن طاووس) فصار هناك كتابان للقراءة، وكان الذين يجلسون على المنبر ويقرؤون من هذين الكتابين يسمّون قرّاء الحسين. ويمضي بقوله: إن أول من منع القراءة يوم العاشر الخليفة العباسي المستنصر بالله عام 640هـ- 1223م وهو أول منع علني من حاكم عباسي بعد انتشار المجالس حول صحن الإمامين الكاظمين (ع) في بغداد، مشيرا الى أن ابن الجوزي (ج7 ص23) ذكر أن اللطم جرى في صحن الإمام الكاظم (ع) يوم العاشر من القرن الخامس الهجري- الحادي عشر ميلادي، وهذا تاريخ آخر يوثق المواكب واللطم.
وعن أول شاعر رثى الإمام الحسين (ع) يشير الى أن المصادر ذكرت أنه سليمان بن قته العدوي المتوفى (126 هـ / 743 م) بعد أن مرّ بكربلاء بعد المعركة بثلاث ليال، فنظر إلى مضاربهم، واتّكأ على قوس له عربية وأنشأ يقول قصيدته التي كان مطلعها:
مــررتُ عــلــى أبــيـاتِ آلِ محمدٍ فلمْ أرَ أمــثــــالـهـا يــومَ حــلّـتِ
ألمْ ترَ أنَّ الشمسَ أضحتْ مريضةً لــقتلِ حــســينٍ والبلادُ اقشعرَّتِ
وكــانــوا رجـاءً ثمَّ أضحوا رزيَّـةً لقد عــظـمتْ تلكَ الرزايا وجلّتِ
أول المواكب
أول موكب عزاء لطم نزل في ليالي عاشوراء يقول الربيعي كان بإشراف آية الله الشيخ محمد جواد بلاغي عام 1650 م واستمرت بعده المواكب تتكاثر حتى القرن الثالث الهجري ومع بداية الغزو الثقافي الثاني الى مراقد العتبات المقدسة في العراق وذلك بفتح المدارس الدينية الهندية والايرانية والباكستانية وغيرها؛ التي ساعدت على نشر طقوس دينية جديدة لم يكن يألفها مجتمعنا آنذاك تمثلت باستحداث التشابيه ومواكب الزنجيل والتطبير بالقامات والسيوف.
ولم تخل هذه المواكب من ترصد السلطة ومحاولة منعها لكنّها تجذرت وأصبحت من الشعائر التي لا تنفك منها أي مناسبة عاشورائية، لذا حاولت الحكومات العراقية النيل منها، كما يذكر الربيعي ومنها حكومة رئيس الوزراء طه الهاشمي عام 1934م التي أصدرت أمراً مشدّداً يمنع جميع المواكب الحسينية وعدم السماح للقوافل الحسينية بالتوجه إلى كربلاء، فقرر الناس ترك دوابهم ومن يمتلك منهم سيارة وتوجهوا إلى كربلاء سيرا على الأقدام، وهو أول تصعيد حكومي في العصر الحديث من القرن العشرين. ويضيف أنّه في ستينيات القرن العشرين وفي عهد الحكم العارفي وعلى الرغم من منع بعض هذه الطقوس الحسينية إلّا أنّه كانت تقام في جميع أنحاء مناطق العراق بحرية نسبية، وكانت هذه الحكومات في حال الموافقة على سفر المواكب إلى كربلاء تشترط جملة من الشروط المهينة، وتتعمّد الدولة عدم تقديم خدمات للزوار والمواكب، فكان الاعتماد الذاتي بتحمل مصاريف الخدمة كاملا من قبل أصحاب المواكب، ويشير الى أنّه في عهد النظام السابق وقع الظلم الأكبر على المواكب الحسينية وما تقوم به لأنّها كانت مواكب سياسية تنشر الصوت المظلوم.
مواكب سياسية
إن هذه المواكب الحسينية فضلا عن كونها ممارسة دينية تحولت الى صوت للفقراء وظهر واضحا تحيزها لهم لا سيما أنه كان من بين من المشاركين في هذه المواكب أساتذة ومعلمون وطلاب وكسبة وعمال، فكان الموكب يسير بين الحرمين وجماهير الزائرين يحيونه ويرحبون به ويرددون ما يقوله.
كما أشتهر الكثير من المواكب بترديد الردّات السياسية في هذه المناسبة.