تتراوح أسعارها بين الألف والمليون دينار مسبحة القزوان.. مــــوروث كـــــردي عريـــــــق

أربيل / خالد إبراهيم

تعد مسبحة (القزوان) الشهيرة في مدن إقليم كردستان من الموروثات الفلكلورية العريقة، ومظهراً من مظاهر شخصية الفرد الكردي، إذ يحملها الشباب وكبار السن على السواء. تصنع هذه المسبحة، التي تعد من أجمل المسابح وأغلاها ثمناً، من حبات الشجرة الخضراء، أو كما يطلق عليها باللغة الكردية (القزوان)،

تبدأ صناعتها باقتناء الحبات الصالحة والجميلة لشجرة (القزوان) التي تنمو في أعالي الجبال، والعمل عليها بعدة مراحل، تبدأ بتنظيفها وتثقيبها الواحدة تلو الأخرى، وتشكيلها على شكل مسبحة طويلة تزين أيدي الشباب والكبار، نساء ورجالاً، كما أنها تقدم أيضاً كهدايا في الأعياد والمناسبات، أو استخدامها كقطعة زينة جميلة.
أنواع متعددة
للحديث أكثر عن مسبحة (القزوان) وأنواعها وألوانها وطريقة صناعتها، التقت مجلة “الشبكة العراقية” العم (جلال خدر)، وهو من أقدم الأشخاص المهتمين بهذا المجال منذ سبعينيات القرن الماضي، الذي حدثنا قائلاً:
“لابد لنا في البدء القول إن الحبة الخضراء أو (القزوان) على نوعين، الأولى ممكن تناولها كمكسرات، والثانية تكون مجوفة من الداخل، وكانت تستخدم سابقاً كعلف للحيوانات. لكن جرى التعامل معها بعد عدة خطوات لصنع مسبحة جميلة، وبالأخص في المناطق الجبلية. ومنذ أربعينيات القرن الماضي تجري صناعة هذه المسبحة في القرى والمناطق الجبلية النائية. ومسبحة (القزوان) على أنواع متعددة ومختلفة، ولها أسماء مختلفة أيضاً في اللغة الكردية، منها (لا سوره)، وتعني ذات الحبة الحمراء، أو (لا رشه)، وتعني ذات الحبة السوداء، أو (لا رة شى باينجانى)، وتعني ذات اللون الأسود القريب من ثمرة الباذنجان، كذلك منها ما يسمى بـ (الأبلق)، وهناك نوع آخر منها لا تضاف إليه أية ألوان. كما ان هناك أنواعاً يجري تعريضها للنار لتأخذ لوناً مميزاً جميلاً، وإضافة نقشة مميزة لحبة (القزوان)، أو الحبة الخضراء.”
أسعار المسبحة
يضيف العم خدر: “لمسبحة القزوان أسعار متفاوتة حسب أنواعها، فعلى سبيل المثال المسبحة من نوع (لا سوره) يصل سعرها إلى 150 ألف دينار عراقي، وبعضها يصل سعره إلى 200 ألف دينار وأكثر، وأرخص نوع من مسبحة (قزوان) يكون بألف دينار فقط. أما أغلى أنواعها فيصل سعرها إلى مليون دينار عراقي، الذي يعتمد على جمال الحبات وتناسقها وصغر حجمها، وطريقة مرور خيط المسبحة في حباتها، وترتيبها، وعوامل أخرى تجعل المسبحة جميلة ومميزة وغالية الثمن. صناعة هذه المسبحة قديمة، فأجدادنا كانوا يصنعونها منذ ثلاثينيات وأربعينيات القرن المنصرم، كما تستعمل هذه المسبحة من قبل الفتيات والنساء كقلادة للزينة، ويقبل عليها السياح الأجانب ومن يزور مدن إقليم كردستان. جدير بالذكر أن شجرة (القزوان) تستخرج منها أيضاً العلكة الكردية.”
مراحل صناعة المسبحة
ثم يستعرض العم خدر مراحل صناعة مسبحة (القزوان) بالقول: “تمر صناعة المسبحة بمراحل عدة، بدءاً من قطف الحبات من شجرة (القزوان)، وكل منطقة تمتاز بنوع معين من هذه الأشجار، حسب المنطقة الجبلية والقرية. يجري قطف الثمار في شهر تموز، وتترك حتى شهر أيلول، وتكون الحبات مغلفة من الخارج في هذا الوقت، لهذا يسهل تقشيرها، بعدها تأتي مرحلة تثقيب الحبات حبة فحبة، سابقاً كان يجري تثقيبها بإبرة خاصة، أما في هذه الأيام فيجري عملها عن طريق المثقب الصناعي (الدريل)، وهذه العملية مهمة لجمال المسبحة، فكلما كانت الحبات متناسقة ومتشابهة كانت المسبحة أجمل وأغلى سعراً.”
لون جميل
للحديث أكثر عن هذا الموضوع، يتحدث العم (عبد الكريم رسول)، وهو متخصص في بيع وشراء مسبحات (القزوان)، لمجلة “الشبكة العراقية” قائلاً:
“تتنوع مسبحات (القزوان) وتختلف، فمنها ذات الحبات الكبيرة، ومنها ما تكون حباتها صغيرة بألوان متعددة. وكلما صغرت حبة (القزوان) كان سعر المسبحة أغلى، وكذلك تلك التي لونها أحمر أو مائل للاحمرار، إذ تكون أغلى وأرغب عند محبي هذا النوع من المسبحات. وبالرغم من كل أنواع المسبحات المستوردة، الرخيصة منها وباهظة الثمن، إلا أن مسبحة (القزوان) تبقى هي المميزة بجمال الخاص، ولاسيما عند الكبار السن. هذه المسبحة تتميز بها فقط مدن إقليم كردستان العراق، ولها سحر عجيب، فكلما استخدمها الإنسان، سواء للاستغفار أو للتسلية أو الزينة، تصبح أجمل بعد مرور الوقت، وذات بريق خاص، وتتلون بألوان جميلة جداً.”
أما (فرهاد جراخ ملائومري)، الهاوي المتخصص في المسبحات، فيتحدث عنها قائلاً: ” تقطف الحبة الخضراء من شجرة طبيعية من صنع الباري عز وجل، وتصنع منها هذه المسبحة التي لها جمال رباني منقطع النظير، إذ تشعر أن فيها روحانية جميلة، سواء لدى من يستخدمها للتسبيح أو للتسلية، وسر جمال المسبحة يكمن في عملية التثقيب، فلابد لصانع المسبحة أن يكون ذا خبرة كبيرة في هذا المجال. ومن مميزات هذه المسبحة أنها خفيفة الوزن وسهلة الحمل، يصل عدد حباتها إلى 200 أو 220 أو 250 حبة، وفي بعض الأحيان إلى 300 حبة، إذ إن حباتها تكون صغيرة جداً، فجمال المسبحة في طولها وخفة وزنها.”
يضيف فرهاد: “تشتهر مناطق هورمان والسليمانية عموماً بكثرة أشجار (القزوان)، كما أنها موجودة في أربيل ودهوك أيضاً، لكنها في القرى القريبة من هورمان تكون أكثر، وتوجد أيضاً في منطقة (بالكايتي)، لكن حباتها تكون للأكل مثل بقية المكسرات، ويستخدمها الناس في قضاء ليالي السمر، ولاسيما في الشتاء.