وليد خالد الزيدي /
تعالت أصوات العراقيين مبتهجة بحلول شهر الصوم، وارتقت فوانيس رمضان أسيجة المنازل لتضيء الأزقة والشوارع، وأخذ الصغار يؤجلون موعد نومهم حتى ساعات الفجر بانتظار سماع ضجيج الطبول والاستمتاع برؤية “المسحرجي” أو “أبو السحور” كما يحلو للعراقيين أن يسموه،
وتشابكت الصلوات مع الدعوات تضرعاً إلى الباري(جلّ وعلا)، بحلول شهر الصوم والرحمة والمغفرة، الذي يترقبه العراقيون بشوق ولهفة، إذ يعد فرصة سانحة لابتغاء مرضاة الخالق، وهو في الوقت نفسه فسحة من الفرح والأمل واستلهام صور العطاء والبذل والسخاء ومواصلة قيم التراحم بين الناس أقاربَ وجيراناً وأصدقاء.
التسامح والتصالح وصلة الرحم
يقول حسن الحاج حمودي من مدينة اليوسفية: بدأنا نسترجع ذكريات شهر رمضان بعاداته المتوارثة ، ونحن اليوم نعيش في أمان واستقرار في أغلب مناطقنا بفضل الله وتضحيات قواتنا الأمنية، وأنا استثمر إطلالته بالتواصل مع الأشقاء والجيران بزيارتهم إلى منازلهم، وأحرص على طرق أبوابهم لأبادلهم التحايا والسلام أو في المساجد عند أداء صلاة التراويح بعد الإفطار، كما أهنئ الأصدقاء بالاتصال بهم هاتفياً.
ويضيف: لهذا الشهر فضائل عدة إذ خصه الله بميزات كثيرة غير الصيام مثل الإكثار من الاستغفار وصلة الرحم والتصالح مع الآخرين والتمتع بروح التسامح والصفح عمن أساء لنا بقصد أو بغير قصد، فأنا لا أنتظر حلول العيد حتى أقوم بتلك الواجبات، فأيام رمضان كلها رحمة وثوابها عظيم.
وجبة الإفطار تجمع الأهل والأقارب
“انتظرت طويلاً موعد إعلان حلول شهر رمضان وانأ احضّر أول وجبة إفطار لأذهب بها مع زوجي وأبنائي إلى بيت والدي لنفطر سوية”.. هكذا بدأت أم أحمد (44 عاماً) من بغداد حديثها لنا، وأضافت: منذ عشرين عاماً وانأ حريصة على تناول أول فطور في رمضان أعده بنفسي مع والدي ووالدتي وبقية إخوتي وأجدها ألذ وجبة في حياتي، وكان والدي يتلذذ بما أعده من وجبات إفطار قبل زواجي، فكنت أضيف إليها أفضل مطيبات أشتريها من السوق قبل حلول الشهر الكريم، فضلاً عن العصائر الطبيعية المركزة ولبن الزبادي بالليمون.
الفوانيس تسهر حتى الصباح
بائع الفوانيس حيدر عباس (29عاماً) من محافظة ديالى يطوق جسده بعشرات الفوانيس الرمضانية، يربطها جميعها بخيوط من حرير ويتجول في عدد من أزقة مدينة بعقوبة وشوارعها، يقول: أبارك لجميع المؤمنين من أبناء بلدي وغيرهم حلول الشهر الكريم، وأدعو الله أن يرزقني الربح الحلال من مبيعات تلك الفوانيس في ساعات النهار، أما عند حلول الظلام فأضيءُ تلك الفوانيس وأصفّها عند أرصفة الشوارع حيث تضيء المكان لتجلب الزبائن وتزدهر حركة البيع، ويضيف: أغلب مشتري فوانيسي هم من الأطفال وبعض النساء اللواتي يسعين لإسعاد أبنائهن بها، وأشعر بالسعادة حين أرى بعض جدران المنازل وأسيجة الحدائق تزينها بضاعتي وتزيد منظرها ألقاً، وكم أشعر بالرضا حين تضيء فوانيسي الشوارع والأزقة في المناطق التي أجوبها حتى ساعات متأخرة من الليل، لاسيما أول أيام الشهر المبارك.
قارعو الطبول وشغف الصغار
“نادراً ما أمر على زقاق ولا أتناول فيه الطعام أثناء جولة السحور لإيقاظ الصائمين من النوم قبل موعد الإمساك بأكثر من ساعة”.. هذا ما يقوله أبو حوراء وهو يقوم بدور”المسحراتي” مع آخرين في مدينة الحلة خلال رمضان. ويضيف: إن الأطفال يخرجون من منازلهم للنظر إلينا، وصغار السن منهم يخافوننا ويشعرون كأننا من كوكب آخر، وليس من صنف البشر، لكن أكثرهم شغوفون بنا ويحيطوننا بالحب والتقدير، وغالباً ما يحملون لنا أطباقاً منوعة من الطعام، فنتناول وجبة السحور معهم، ومنهم من يرى السعادة حينما يشاركنا الضرب على الطبل ويحرص على توثيق تلك الحالة بتصويرها في أجهزة هواتف ذويهم.
ويواصل زميله أبو سجاد الحديث قائلاً: أحرص مع زملائي قارعي الطبول دائماً على عقد صداقة مع هؤلاء الصغار، ونعمق علاقتنا بهم، وهم يكافئوننا ليلة العيد في نهاية الشهر، فهم يحثون آباءهم على إكرامنا بمبالغ جيدة.
التجميل في فترة الإمساك
أحلام عبد الواحد، متخصصة في التربية الإسلامية، تقول: بعض الصائمات يولين اهتماماً كثيراً بإعداد الطعام أثناء الشهر أكثر من اهتمامهن بأحكام الصيام الأخرى، ويركزن تفكيرهن في وجبة الإفطار، بينما يتجاهلن مسألة الإكثار من الصلاة وقراءة القرآن، وأخريات لا يتركن استخدام مواد التجميل (الماكياج) أثناء ساعات النهار (فترة الإمساك)، وهذا مخالف لشروط الصوم وإن كانت في بيت زوجها.
روح الأخوّة والآصرة المجتمعية
الباحث الاجتماعي جواد ناصر يقدم لنا تفسيراً ملخصاً للأعراف المحلية المتوارثة فيقول: تقاليد العراقيين في المناسبات الدينية والاجتماعية كبيرة الأهمية، لاسيما شهر رمضان، إذ يشعرون بقوة وحدتهم وعراقة انتمائهم وصلاتهم الحميمة، وهي سجايا حميدة متوارثة عبر الأجيال، ويضيف ناصر: روح التعاون والمساعدة في المجتمع العراقي تظهر أثناء شهر الصوم في المشاركة في الطعام، وحسن التعامل بين الناس، لاسيما بين الأقارب والجيران ومحدودي الدخل، لأنهم أكثر حاجة من غيرهم، والإكثار من الصدقات المالية أو العينية، فالتكامل المعيشي في رمضان له فضائل جمة، تنعكس بشكل كبير على تنمية روح الأخوّة، وتقوية الآصرة المجتمعية بين العراقيين.