حسن العاني/
منذ عبرتُ السبعين، عاشرتني ضرائب العمر الصحية، وآخرها الماء الابيض، توقّفت تقريباً عن القراءة، ومتابعة تطورات العالم السياسية والأدبية والفنية والعلمية والرياضية، حفاظاً على البقية الباقية من ماء العين….
إلا اذا استوقفني خبر او موضوع بالغ الأهمية على غرار ما نشرته مجلة الشبكة الغراء من لقطات تاريخية حضارية في أكثر من عدد، كتصريح العالم الآثاري (ايرفنغ فينكل) كبير أمناء المتحف البريطاني، الذي أشار فيه الى [ أن الكتابة قد بدأت في العراق القديم من خلال الكتابة المسمارية منذ 3500 ق.م، وهي بذلك قد سبقت الكل… واذا ثرثر أحدهم بعكس ذلك فلا تصدقوه – مجلة الشبكة / العدد 414 ] وفي العدد 418 يقول كبير الأمناء مرة أخرى إن السومريين الذين اخترعوا الكتابة المسمارية، قدّموا للبشرية عبر هذا الاختراع أعظم خدمة على مر العصور، أما عالمة الآثار الاميركية اماندا بوداني فتذكر أن [بلاد الرافدين كانت موطن الكثير من الابتكارات الاولى، لكونها ضمّت أولى المدن التي نشأت في العالم، ولأنَّها موطن اختراع الكتابة، وأول من سنّت القوانين و… و.. وعمر حضارة وادي الرافدين ثلثا عمر الحضارة على كوكب الأرض – مجلة الشبكة / العدد 418].
وبخلاف ما ورد ذكره أعلاه، وقفت على أكثر من معلومة خبرية، ودراسة اكاديمية، وبحث علمي، وجميعها مما يشرح الصدر ويملأ قلوب العراقيين مسرّة وفرحاً وسعادة تخفف شيئاً من الحزن الذي لم يفارقهم منذ عام 1958، لأنّ تلك المعلومات الخبرية والدراسات والبحوث تجمع بالأدلة القاطعة والآثار القائمة، أن العراق سيّد الحضارات القديمة بحكم إنجازاته ومنجزاته، فهو العجلة والجنائن المعلّقة وملحمة جلجامش، وهو الأفكار والطروحات الفلسفية، وهو القوانين وأرقى ما بلغه فن النحت، ولو واصلنا الحديث عن (هو .. وهو) وأخذتنا التفاصيل الى ميادين العمارة وشق الأنهر والتنظيمات الإدارية والعسكرية و .. و .. لما أوفينا بلاد الرافدين حقَّها مهما طال الكلام … وهذا كذلك مما يملأ قلوب العراقيين مسرّة.
مسألة التعليم في العراق استهوتني ولفتت انتباهي أكثر من غيرها، وأنا أقرأ بعشق عراقي لوطنه؛ تاريخه وإرثه وتراثه، كيف قام ملك القوانين (حمورابي) وصاحب المسلة الأشهر، بوضع حجر الأساس لأولى المدارس في بلاده – بلاد الرافدين – ولم يكن مفهوم الدرس والمدارس والتعليم معروفاً على صعيد الحضارات الاخرى .. وأسعدني وأسعدني وأسعدني كيف توالت رحلة التعليم والدراسة والمدارس والمعاهد والجامعات في العراق، وكيف تواصلت وازدهرت الى الحد الذي كان طلبة العالم من شتى بقاع المعمورة يقصدون العراق وشيوخه وأساتذته ومعاهده وجامعاته لينالوا أرقى الشهادات العلمية.. ثم تابعت كيف يجلس تلامذتنا اليوم على الأرض بعد أن عجزت الحكومة عن توفير الرحلات المدرسية لهم !!