ثقافة (الكلاش) في مواجهة الحداثة

ترجمة/ آلاء فائق
يشتهر شعب (كلاش) بثقافته الفريدة وطقوسه الروحانية وملابسه الرائعة، إذ ترتدي نسوة القبيلة أردية سوداً طويلة مطرزة بألوان زاهية، ويعتمرن أغطية رأس جميلة، ويتحلين بقلادات الخرز. ولأن جداتهن كن من هواة الوشم، فتجد الكثير منهن محافظات على هذا التقليد، فلا تخلو وجوههن من وشم صغير على خدودهن، أوجباههن، أو أذقانهن.
أصول (الكلاش)
يعيش افراد هذه القبيلة في قمم جبال شمال باكستان، حيث يشكلون أقلية مجتمعية عرقية صغيرة خاصة بهم يلفها الغموض، سواء بتعلق الأمر بتاريخهم، أو باختلافهم مقارنة ببقية سكان باكستان. وتعرف قبيلة كلاش أيضاً باسم (الكفار السود).
فشلت المصادر التاريخية بالكشف عن أصولهم، وكيف وصلوا إلى تلك المنطقة الوعرة المرتفعة للغاية وسط امتداد جبال الهمالايا المليئة بالثلوج، الواقعة على الحدود الأفغانية الباكستانية. فهم يعيشون هناك منذ قرون طوال ولا يعرف عنهم الكثير، وعادة ما يسود تصور خاطئ عنهم، على أنهم من نسل اليونانيين الكلاسيكيين، تحديداً من نسل الإسكندر المقدوني الذي غزا تلك المنطقة في القرن الرابع قبل الميلاد. ما يميزهم هو بياض البشرة، والشعر الأشقر، والعيون الزرق. لكن الدراسات تظهر أنهم من أصول هندية آرية. وفي هذه الأيام أخذت أعداد أفراد القبيلة بالتضاؤل. يبلغ عديدهم حالياً نحو ثلاثة آلاف شخص فقط، وهو رقم آخذ بالانخفاض.
مكانة المرأة
لدى الكلاش مواقف أكثر ليبرالية وتحررية فيما يتعلق بمكانة المرأة، ومع أنهم لا يحبذون فكرة الطلاق، غير أن القبيلة تحتفظ أيضاً بعادات خاصة بالزواج، إذ تختار المرأة الزوج المناسب لها وتخلعه متى استحالت الحياة معه، ومن حقها استبداله بعد إعادة المهر له مضاعفاً، كما لا يمكن لهم الزواج إلا من داخل قبيلتهم، ولا يعترفون بأي طفل يولد داكن البشرة، وقد تقتل من تلد طفلاً أسود.
عادات الكلاش
من ضمن عاداتهم صناعة الكحول بأنفسهم، وممارسة ديانة تعدد الآلهة، وظلوا يتخذون معبودات خشبية حتى وقتنا الحاضر، يبنون بيوتهم الخشبية بعضها فوق بعض، ويقدمون قرابين من الأغنام لمعبوداتهم الجبلية القديمة، كما تختلف مراسم دفن موتاهم عن بقية الشعوب، إذ تشيّع الجثامين بالرقص والفرح بدلاً من الحزن والبكاء، ويمتازون عموماً برقصات فلكلورية مختلفة تشبه الفلكلور اليوناني.
الحفاظ على الهوية
يمارس شعب الكلاش ديانة روحانية، فهم يعبدون الطبيعة، ومن ضمن عاداتهم إقامة المهرجانات الصاخبة وذبح القرابين. ويُعرَّف النظام الاقتصادي لشعب الكلاش بأنه “اقتصاد جبلي مختلط صغير”، يعتمد على تربية الماشية وزراعة الفاكهة والحبوب لتبادل السلع.
لأن وجود شعب الكلاش يمتد لما هو أبعد من نظرائهم الباكستانيين، لكن من المؤسف حقاً أنهم يواجهون حالياً العديد من القيود الخارجية في معركتهم من أجل الحفاظ على هويتهم المجتمعية.
ظروف الفقر
من بين العوائق التي تواجههم أن العديد منهم يعيشون في فقر مدقع، ويرجع ذلك جزئياً إلى الفيضانات المدمرة، واستمرار قطع الأشجار غير القانوني، الذي يسلب حق الأسر المعتمدة على الأخشاب في الحصول على الدخل أو التدفئة على مدار العام. وقد أدت الفيضانات الأخيرة في الأعوام الماضية إلى خسارة العديد من حقول المزارع، وهذا أمر مدمر، لأن بقاءهم يعتمد على هذه الموارد المحلية، وأي تهديد لها قد ينعكس على الكساد الاقتصادي.
ثمة عامل آخر يؤدي إلى تفاقم الفقر لديهم، وهو انعدام اتصالهم بالعالم الخارجي، المتمثل بالطرق الوعرة المحدودة التي تربط واديهم بالعالم الخارجي، ما يحرم قبيلتهم من السياحة التي من شأنها إنعاش اقتصادهم وتوسيع قاعدتهم الاستهلاكية.
الحفاظ على التراث
على الرغم من هذه العقبات، تبذل الحكومة الباكستانية المحلية والمنظمات غير الحكومية جهوداً شاملة للمساعدة في مكافحة العوامل التي تهدد وجود ثقافة الكلاش، ففي عام 2020، جرى تشكيل (هيئة تنمية وديان الكلاش) للمساعدة في الحفاظ على سكانهم في الوديان.
تدعم منظمات غير حكومية كبرنامج (سرهاد) وبرنامج (آغا خان) سكان المناطق الريفية وتعزز من جهود التنمية، وقد بنى برنامج سرهاد مشاريع صغيرة للطاقة الكهرومائية من أجل توفير الكهرباء لأجزاء معينة من الوادي.
تستمر ثقافة كلاش بالبقاء، لأنها تثير اهتمام جمهور واسع من الناس الذين يزورون وديان القبيلة، أو يتابعون أنشطتها عبر الإنترنت. وخلال مهرجاناتهم، ينضم بعضهم للاحتفال بالحصاد أو الانقلاب الشتوي، وفقاً لتقارير صحيفة (الجارديان).
نظرة إلى المستقبل
قبيلة كلاش من قبائل العالم المدروسة جيداً، وذلك لاستعدادها لمشاركة ثقافتها علناً أمام العالم، وترحب القبيلة بالزوار، وأي شخص مهتم بالثقافة. يواجه شعبهم عوائق في الحفاظ على ثقافتهم، ويكافحون ظروف الفقر. لكن المزيج المتنوع من المجموعات التي تساعدهم واستعدادهم لتلقي المساعدة يجلب الأمل. ومع المساعدة المستمرة، يمكن لقبيلة كلاش أن تتجاوز مجرد البقاء على قيد الحياة وتصبح شعباً مزدهراً.
عن / مجلة بورجن