صادق العزاوي /
يمثل جسر الكوفة أحد المعالم الجميلة والمهمة في مدينة الكوفة، إذ إنه يربط مسير القادمين اليها من محافظات بابل وبغداد بالكوفة والنجف الأشرف، حيث يكون أمامك مسجد الكوفة المعظم، ومن خلفك ساحة الدلال. والكوفيون لهم ذكريات عن هذا الجسر القديم الذي افتتح في عام 1956.
للتعريف أكثر بهذا المعلَم التقينا المهندس (علي نعمان أمين)، وهو رجل مهتم بتاريخ الكوفة، واحد أبناء مدير بلديتها السابق (الحاج نعمان أمين) الذي ترك ذكراً طيباً لما قدمه لمدينته. يقول المهندس نعمان: “شرعت الدولة بإنشاء جسور عديدة في المدن العراقية في بداية عقد الخمسينيات من القرن الماضي، ولم تكن الكوفة مشمولة بجسر حديث، لكن في أحد المحافل التي حضر فيها رئيس وزراء العراق نوري السعيد الذي زار الكوفة، وتفقد الجسر الخشبي المتهالك، الذي يقع مقابل شارع السكة، فانبرى حينها ابن الكوفة الشاعر الشيخ (علي البازي) بقصيدة ألقاها على مسامع نوري السعيد ومنها هذه الأبيات:
مرحبا بالوفود ونوري السعيد
وعصركم يامولاي كعصر
الرشيد
والكوفة محتاجة لجسر حديد
عهدك يا مولاي عهد جديد
وعلى إثرها أبصرت النور فكرة إنشاء جسر الكوفة الجديد في سنة ١٩٥٢، الذي جاء عوضا عن (جسر الدّوَب)، والدوبة هي عبارة عن مجموعة من الزوارق الحديدية مصفوفة بشكل منتظم لحمل الجسر والمارة. وقد أحيل عقد تنفيذه إلى شركـة (فيليــب هولــزمــان) الألمانية بكلفــة إجمالية قدرها (٣٥٦,٨٦٥) دينــاراً، وقد بوشـر العمـل بـه فعلياً من قبل الشركة فـي شهـر آذار من عام ١٩٥٢ وأنجـزت كل الأعمال الانشائية في شهر نيســان من عام ١٩٥٥، وكان افتتاحه الرسمي عام ١٩٥٦، حين افتتحه رئيس وزراء العراق آنذاك نوري السعيد
شركة ألمانية
بما أن جسر الكوفة يعد من المعالم المهمة، لذا فإن علينا أن نعرف بعض المعلومات عن هذا المعلَم الحضاري الذي افتتح في 7/4/ 1956: فهو من المشاريــع المهمة التــي نفذهــا مجلس الأعمار في العراق بالعهد الملكي.
-أقيـم الجسر على نهــر الفــرات (شــط الكــوفـــة) ليربــط الطريـق القادم مـن بغــداد – حلـة، ثـم كوفــة – نجــف .
-أنشئ هذا الجســر من هيكل حديــدي مستنـد علـى ركـائــز كونكريتيــة، لـه سبــع فتحــات.
-يبلـغ طـول الجســر ٢٤ متراً، أما عرضــه فيبلـغ ١٠ أمتار.
-نفذته شركـة (فيليــب هولــزمــان) الألمانية، وقـد بلغــت الكلفــة الإجمالية للجســر (٣٥٦,٨٦٥)دينــاراً.
جسر الشعر
بعدها توجهنا إلى الفنان والشاعر (محمد لقمان) الذي صمم كتاب الشاعر الكبير عدنان الصائغ (أغنيات على جسر الكوفة) فتحدث قائلاً:
“ارتبط جسر الكوفة بولادة الشاعر المبدع عدنان الصائغ، الذي كبر في ضفاف شواطئ نهره يرتل تغاريد صباه مع أصدقاء طفولته: حسين حيدر الفحام، ومحمد عبد الزهرة، ومحمد لقمان، وثابت مهدي صبي، الذين تعلموا السباحة فيه بعبور النهر أو في القفز من أعلى هذا الجسر الى النهر الخالد الجميل. أما في الأعياد والمناسبات فإن المكان ينبض بأهل الكوفة والنجف، حيث الدبكات والأراجيح والألعاب والسفر لمسافات في قوارب النهر، حيث ركز ماء شاعريته وأصبح معروفاً كشاعر له وزنه في الدواوين والمحافل في بغداد، وأعطى عنواناً لأحد دواوينه فاسماه (أغنيات على جسر الكوفة)، الجسر الذي بني بسبب بيت شعر من شاعر كوفي تلاه على مسامع رئيس الوزراء نوري السعيد. رقص هذا الجسر على أغنيات عدنان الصائغ احتفالا بكل عابر بين ريف الكوفة والمدينة العريقة في التاريخ والحضارة.
جرح هذا الجسر ومرض حين تصدت له طائرات العدوان (١٩٩١)، لكنه سرعان ما استرد عافيته بأيد عراقية مخلصة لأهميته للمدينة، ولكونه رمزاً كبيراً من رموزها الجميلة إذ إنه يربط بين الضفتين، ويمتد كظهر يحمل هموم المدينة وريفها، مع أغنيات عدنان الصائغ فيما بعد.
قامت ببناء الجسر شركتان ألمانيتان، إحداهما لبناء الأسس والاخرى لبناء بدن الجسر. ومن محاسن الصدف أن يعمل أبي (لقمان حسون الخواجة) مع عمال بناء الجسر ومجموعة من شباب الكوفة وقتها في بداية خمسينيات القرن الماضي، وكان يتذكر وقتها حادثة حصلت عند بناء الأسس، اذ سقط صديقه العامل معه (سلمان جعفر الكوفي) على أسلاك التأسيس فتهشم بعض من أعضائه، فقامت الشركة الألمانية بنقله إلى بغداد بسيارة إسعاف خاصة بالشركة، وصاحبه والدي حتى شفي وعاد إلى العمل . واحتفلت الكوفة يوم افتتاح الجسر بالفرح والتهليل، وذلك حين غادرت الكوفة عصر جسر الدّوَب الحديدية الطافية. وقد نقل الجسر القديم المتموج بسايد واحد الى ناحية العباسية ليستفيدوا منه هناك.”