زياد جسام/
ولدت مريم في بغداد خلال فترة الحرب والعقوبات الاقتصادية على العراق، مع ذلك حرص والداها على أن يعرّفاها بالفنون والهندسة المعمارية، ورؤية المباني المتأثرة بالقصف الجوي أثناء الحرب، ما ترك بصمة لا تمحى في نفسها.
في عام 2009 حدثت انعطافة مهمة في حياتها، حين وصلت مع عائلتها إلى الولايات المتحدة طالبين اللجوء. كانت مريم تشعر بمزيج من الإثارة والخوف وهي تعيش عالمها الجديد، فحملت حقيبة الظهر وحمالة رسوماتها، وخطت أولى خطواتها إلى حياة مليئة بعدم اليقين، لكنها مليئة بالأمل في التعلم والفرص، بعيداً عن إرهاصات الحرب وتداعياتها المريرة.
استقرت مريم مع عائلتها بمدينة بالتيمور العريقة، في ولاية ماريلاند، وهناك تقدمت بطلب الى مدرسة بالتيمور للفنون، حیث طُلب منها أن ترسم لوحة بالألوان الزيتية (still life حیاة جامدة) أمام مدير المدرسة، وكانت النتيجة أن مريم كانت أول لاجئة بهذه المدينة تُقبل في هذه المدرسة. وقد شكل ذلك بداية فصل جديد في حياتها. وعندما حان وقت الالتحاق بالجامعة، أرادت أن تذهب الى مدينة نيويورك، مدينة الفن تحديداً، وعلى الرغم من مخاوفها من العبء المادي بسبب تكلفة الدراسة الجامعية، لكنها اختارت التخصص بالتصميم الصناعي في معهد (برات)، بهدف الحصول على وظیفة آمنة بعد التخرج. حظي قراراها بدعم من والدها، فكان خطوة أولى نحو تحقیق أحلامها.
الأعباء المالية
تقول مريم: “رحلتي أخذت منحىً آخر بعد التخرج، إذ مارست العمل في وظائف مختلفة بشركات التصميم، أدركت هنا أن تصميماتي، على الرغم من كونها مربحة للعملاء، إلا أنها أسهمت في الهدر البيئي، ولم تفعل سوى القليل لتخفيف الأعباء المالية، ما جعلني أتحول الى النحت تدريجياً. كنت أنحت بالإضافة الى عملي الوظیفي كل یوم، بحیث أثمرت معرفتي في التصمیم بفهمي للمواد وطرق الإنتاج. على مدار ست سنوات، تمكنت من الموازنة بین العمل بدوام كامل وإنشاء منحوتات في المساكن الفنیة، مثل متحف الفن والتصمیم LMCC، وSilver Art Project.”
ظهرت مريم في مجلة Architectural Digest باعتبارها (فنانة تستحق الانتباه) في عام 2021، بالإضافة إلى ظهورها في مجلات: Surface Magazine وGalerie Magazine وInterior Magazine وThe Wall Street Journal. وفي عام 2023، حصلت على زمالة ForFreedoms السنوية لدعم الفنانين، مع التركيز على التغيير الاجتماعي. وكشفت أيضاً عن منحوتتها العامة (النصب) في حديقة سقراط للنحت كجزء من زمالة سقراط السنوية في عام 2023.
تقول مريم: “فتحت عيني على الفن عندما كان والدي يأخذني معه في كثير من الاحيان إلى ستوديوهات أصدقائه الفنانين، كنت أشاهده وهو يصور الأعمال وكيف يعالج صور اللوحات في (Dark room الغرفة المظلمة)، حيث ألهمتني رائحة الألوان الزيتية وأعمال أولئك الفنانين الإبداعية حب الفن، ما أدى الى تأجيج شغفي بالرسم، كما أن هذه التجربة كان لها تأثير عميق عليّ كطفلة.”
مشروع لفنانة عالمية
في نهایة المطاف، أصبح الفن هوية مريم ومهنتها الأساسية، إذ إنها تقوم الآن بإنشاء تماثيل عامة ولوحات وأثاث منحوت، وهنا حان الوقت لتعترف مؤسسة (فیلتشیك) العالمية بمساهمات الشابة مريم في هذا المجال، وتكرمها لتجربتها الإبداعية كمهاجرة، ولسنوات عملها، وليس تكريماً لمشروع معين، ولا شك في أن هذا التكريم له أثر معنوي أكبر من كل الماديات، فهو بمثابة اعتراف بأن مريم مبدعة ومنتجة ومشروع لفنانة عالمية.
وبذلك تكون الفنانة العراقية الشابة مريم زياد تركي واحدة من الفنانين المميزين الذين حصلوا على جائزة من مؤسسة (فيلتشيك) الأميركية للإبداع، الذي تمنحه للعلماء والفنانين المهاجرين الذين يحققون التميز الإبداعي المبكر في الولايات المتحدة..
تقول مريم: “كان هذا الصعود محفوفاً بالتحديات، بدءاً من النضال لأجل تغطية القروض الطلابية والإيجار، وحتى السعي لتحقيق رؤيتي الفنية، كما أن هذه الفرص والجوائز، مثل جائزة (فیلتشیك) تذكرني بقیمة العمل الجاد والمثابرة وأهمية عدم إغفال أحلامي أبداً، وأن هذه الجائزة هي مجرد البدایة، أخطط لاستثمارها في مشاريع مستقبلية، وأحلم بشكل أكبر وأسعى للمساهمة بشكل إيجابي في العالم عبر الفن.”
وعن تطلعاتها للمستقبل قالت مريم: “أتطلع إلى المستقبل بطموحات كبيرة، منها فتح مدارس لتعليم الفن في جميع أنحاء العالم، لتمكين الأطفال والمراهقين من متابعة شغفهم الفني وتحقيق أحلامهم.. كما أواصل متابعة أحلامي.”